بيار أبي صعب
تواجه صديقتنا موناليزا هذه الأيام مأزقاً من نوع خاص. خليلة ليوناردو البعيدة (دافينتشي طبعاً، لا ديكابريو!)، ذات الابتسامة الغامضة، قد تجد نفسها قريباً مكلّفة مهمّة «ديبلوماسية» خاصة في قلب الصحراء، خدمةً للمصالح العليا لبلادها. والمرأة التي حيّرت العالم ــ ولعلّها رجل في نهاية المطاف ــ قد ترضخ أخيراً لقانون السوق، وتعرض مفاتنها لأصحاب الجاه والثراء... من أجل حفنة من الدولارات (يتمّ تصريفها لاحقاً باليورو بطبيعة الحال)!
ستقولون إن مُنى هذه ليست فرنسيّة، بل نبيلة إيطاليّة الأصل. لكن “لا تقل أصلي وفصلي أبداً...”. هذه السيدة تعيش في كنف الملك لويس الرابع منذ 1804. صارت فرنسية بالشفعة... وما يجري على كل أقرانها في المتحف العريق يجري عليها. واليوم «اللوفر» في خطر، إذ كشفت الصحافة الفرنسيّة أن الحكومة الحالية في بلد فولتير، راجم الآلهة والملوك، تعتزم «تصدير» نسخة منه إلى احدى الامارات النفطية، ليكون حجر الأساس، ونقطة الارتكاز في منتجع سياحي فاخر.
ماذا ستفعلين يا منى المسكينة في هذه الصحراء؟ سيكويك الحرّ، ويقتلك الضجر... وربّما منعوك حتّى من لبس المايوه! ما يشغل بال الخبراء هو تشويه صورة اللوفر، وتحويل فكرة المتحف من مركز للعلم والثقافة يضم بعض أعظم كنوز الحضارة البشريّة، إلى... مدينة ملاهي. في باريس وقّع كبار مؤرخي الفنّ والاختصاصيين مقالات تحذير وعرائض احتجاج تدعو إلى رفض المشروع الذي من شأنه أن يدرّ على الخزينة مئات ملايين الدولارات. فيما «النفط أسعاره مرتفعة وطائرات الايرباص لا تباع كما ينبغي»، كما كتب أحد المعلّقين الفرنسيين، ستنفق الامارة الخليجيّة 27 مليار دولار على تطوير جزيرة كاملة، لتصبح جنّة على الأرض، ترسو في مينائها يخوت أثرى أثرياء العالم. ولا ينقصها للتويج المشروع سوى الرصيد المعنوي الذي يعطي للمشروع اشعاعه.
أمس كانت فرنسا تصدّر الأفكار التحررية، والقيم الانسانية إلى العالم... فهل تراها لم تعد تملك اليوم ما تبيعه سوى «صيغة» موناليزا... وما تبقى من رصيدها الثقافي؟