الثلاثاء 20/ 06 (الواحدة بعد الظهر)س قابل ص وسأله:
- إزيّ الحال..
- واللهي الحال واقف اليومين دول.
- طب يا شيخ اِحمد ربنا انك لسة عندك حاجة بتُقَف.
لطالما أضحكتني هذه النكتة التي حدثت بحذافيرها، وحكاها لي بطلها (أحمد يماني)، التقى (حسن سرور) في إحدى ردهات هيئة الكتاب، حيث يعملان.
أتذكّر هذه النكتة الآن، هي ونكات أخرى، كدعامة ناعمة، لذكورتي المختالة التي تنظر اليوم بعين قانعة إلى ماضٍ قريب، كانت تبرطع فيه، وترفس الهواء بقوة، فتتطاير زخّات العرق، ويدوّي صوت عروقها النافرة، وزفيرها الملتهب.
أتذكّرها مبتسماً وأنا أنظر إلى حالي. حالي الذي لا أنسى أبداً، أنه كان مصدر اعتدادي، وعُكّازي المستتر الذي أرتكز عليه، والذي عصمني في فترات عصيبة، من التوهان في ظلمات البحث عن حجر أو جدار، يمنع الذات من البعثرة.
حتى نضجت تلك الذات بطيئاً، على نارٍ هادئة، لتكتشف أن ركيزتها الخاصة، ما هي إلا هي نفسها.
أنظر إلى حالي، فأرى كلبي الهرِمْ، كلبي الحبيبْ الذي يرقد بجواري على السرير، سانداً رأسه على يديه المفرودتين، وناظراً إليّ طوال الوقت بعينين ناعستين، يفاجئني أحياناً وأنا ذاهلٌ عنه، بإفاقته، وارتعاشة عضلات جسده، وطرقعة أذنيه، ونباحه القادم من عالم آخر. يشرئب محاولاً لمس كتفيّ بيديه، واضعاً عينيه في عينيّ بالضبط، كأنه يقول لي:
أنا هو، كلبك السلوقي الذي طالما قنص من أجلك الطرائد، وطالما ملأك بالزهو الصامت، وسط بقية الصيادين.
ثم لا يلبث أن يعود إلى سُباته العميق.
نمْ يا صديقي. نمْ وحرّرْ نفسك من الخجل الذي لا يليق بك. ومن إحساسك الدائم بالتقصير، وخذلانك لي في لحظات حرجة. حرّرْ نفسك من وهم إرضائي. واعلم بأنني فخور بك. وبأننى راضٍ تماماً. ولكي تطمئن:
اعلم أيضاً بأنني بتّ لا أهوى الطّراد.
وبتّ لا أنخدعُ بمرأى الطرائد التي تتقافز أمام عينيّ طوال الوقت.
الطرائد فى الرأس يا صديقي.
إنها تسقط من تلقاء نفسها بين يديّ الآن كلما رغبتُ فيها.
فقط عليّ أن أرغب فيها بقوة.

مقطع من نص طويل للشاعر الراحل أسامة الدناصوري يصدر قريباً عن “دار ميريت” القاهريّة