نور خالد
تشير عقارب الساعة إلى منتصف الليل. لقد حان وقت “الاجتماع السري”. المكان: السطح. الأدوات: وسادات الكنبة الطرية. الموضوع: تناول المنتج والتلذذ به... سراً، أما الدعوة فهي للنساء فقط!
هذا ليس “يوم المرأة العالمي”، بل مشاهد من إعلان تلفزيوني تبثه الفضائيات ويروج لشوكولا “غالاكسي”. لكنه ليس إعلان الشركة الوحيد الذي يسلط الضوء على العلاقة السرية بين المرأة والشوكولا. لقد تنبّه عملاق الأغذية “ماستر فودز” قبل سنوات ان الفائدة التجارية الأجدى تأتي من تحويل “غالاكسي” من علامة عامة (popular brand) الى علامة أنثوية (female brand). وأثبتت الدراسات التي أجرتها الشركة أن استهلاك الشوكولا عند النساء أكثر منه لدى الرجال بنسبة 60 في المئة. تلك الأرقام كانت كفيلة بطرد هؤلاء من جنّة الشوكولا. في إعلان آخر، تنتظر الزوجة خروج زوجها من البيت. تورب الباب ثم تقفله كمن يتخلّص من “ضيف ثقيل”. تهرع الى الكنبة الوثيرة. تتمدد عليها بحركة مغرية. يسود الصمت المكان، إلا من حركة القطة التي تمر أمام المرأة، فتملّس وبرها، ثم تُخرج قطعة الشوكولا وتتلذذ بها وحدها، في صورة توحي بأن المنتج هو مكافأتها على استبدال الرجل بقطة أكثر إلفة!
إنه عالم النساء، المعتزلات عن الرجل. مراهقات “نيفيا” يتحركن، محمّلات بكريمات ترطيب البشرة، لا فرادى بل ثنائيات. مراهقتان في كل إعلان، تتحركان كالتوأم. تلهوان بالماء، وتتبادلان الأسرار همساً. تغمزان عدسة الكاميرا والمشاهد. تريدان القول إن النساء، فقط، هنّ من يفهمن على النساء. ليس إغفال الرجل في تلك الاعلانات محض صدفة، أو “انتقام” من سلطته التاريخية. الأرقام، مرة أخرى، تعكس حقيقة الصورة. يقدر الخبراء حجم قطاع مستحضرات التجميل في المنطقة بأكثر من 4 مليارات دولار، و75 في المئة من هذه النسبة تخرج من جيب النساء. لم يعد هناك حاجة الى الرجل، ما دامت المرأة هي التي تحمل مفتاح الاستهلاك، كما يقول خبراء التسويق. قبل سنوات، ظلت صورتها الاعلانية حبيسة إطار واحد. في اعلانات رمضان التي تحرّض على الاستهلاك، بشراسة، تبدو الصورة أكثر وضوحاً: دائماً “الماما الطباخة”. تلك التي تروّج للأطعمة ومساحيق الغسيل والأدوات المنزلية... مهندمة، لطيفة، ودودة، صبيحة، متفانية وذكية بغريزتها التي تقودها الى علبة السمنة المناسبة. هي الماكرة في الاستحواذ على رضا الزوج، باتباعها قاعدة “أقصر طريق الى قلب زوجك معدته”. وفي نهاية الاعلان، درجت العادة أن يظهر الرجل: سكسوكة وغمزة ومباركة للمرأة. السلطة تبارك العمالة الشاطرة، السفرة في المطبخ والفرحة “مش سايعة العيلة”.
اعلانات “غالاكسي” أرّخت، خلال أكثر من خمس سنوات ماضية، ومنذ ظهور منتج “جواهر” صاحب الشعار “خذيها، كليها، آخرها أطيبها”... أرّخت لانقلاب اعلاني على صورة الرجل. هناك تحريض للمرأة الأم لتكون أنانية. تحتفظ بالحبة الأطيب لنفسها بدل أن تبددها في الضيافة، وهو تحريض يلفت بشدة لكونه يقف على النقيض من عاطفة أمهات العرب في إيثار الأولاد والزوج على أنفسهن، ناهيك بكونه تمرّداً على العادات العربية الراسخة التي تسيّد الضيف وتحتفي به.
هل هذه الاعلانات تعطي مؤشراً إلى تغير اجتماعي ما؟ أم الأمر يقتصر على غايات تسويقية بحتة؟ الخطط التسويقية لا تنبع من فراغ، وخصوصاً اذا ما تعلق الأمر بشركات عملاقة تسيطر منتجاتها على أسواق كاملة. هل تعيد الاعلانات الى المرأة اعتبار الاستقلالية الذي لم تمنحه لها الميديا أو السينما، في عالم العرب؟ ربما، فالأكيد أن تلك الاعلانات، وشبيهاتها، تحمل شيئاً يتجاوز... السطح!