strong>محمد خير
في فيلم “الراعي والنساء”، يتجلّى الحلم الذكوري في أوضح صوره: الرجل الذي تنطق قسماته بالفحولة، الخارج من السجن لتوّه إلى بقعة صحراوية نائية، ليس فيها إلا ثلاث جميلات، أرملة وعانس وعذراء. رجولة جوّعتها سنوات السجن، وأنوثة أظمأتها الوحدة ورمال الصحراء. ثم الكنز، الخبيئة التي تركها صديق الرجل (زوج الأرملة)، تنتظر في باطن الأرض من يكشف عنها. الغرائز هنا في أكثر صورها بدائية، الرجل يشمر عن ساعديه وينحني يحفر الأرض، والنسوة يراقبن العرق المتصبب على جسده، وينتظرن نتاج جهده نهاراً، وقوة جسده ليلاً حيث يحتفظ فراش كل منهن بأسراره الخاصة. وفيما يظن الرجل أنه استطاع أن يخدعهن جميعاً، ويسيطر على كل منهن في فراشها، إذا به في لحظة مفاجئة، يذهب ضحية صراعهن المكتوم... القصة المأخوذة عن النص الإسباني “جزيرة الماعز”، قدمها المخرج علي بدرخان عام 1991. ومنح البطولة لمن رأى فيهم الأنسب لأداء الشخصيات: الرجل حسن هو أحمد زكي، الأرملة وفاء هي سعاد حسني، وابنتها المراهقة سلمى هي ميرنا، ثم عزة، شقيقة الزوج المتوفى، هي يسرا.
بعيداً عن القصة، مثّل “الراعي والنساء” محطات مهمة في حياة صانعيه، وإن كانت حزينة في معظمها... كان العمل الأخير لسعاد حسني، وهو كذلك تقريباً بالنسبة إلى المخرج بدرخان الذي انضم بعد هذا الفيلم إلى مجموعة من المخرجين، تضرروا من الانهيار الذي أصاب السينما المصرية في العام نفسه، واستمر خمس سنوات على الأقل قبل أن تنتعش من جديد السينما النظيفة. أما يسرا فلم تقدم بعده أعمالاً سينمائية كبيرة، وهي التي كانت من أهم نجوم الثمانينيات، فيما مثّل “الراعي والنساء” العمل الأول للوجه الجديد ميرنا التي صعــــدت وانطــــفأت سريعاً.
ومن المفارقات أن بدرخان اتفق مع وحيد حامد على كتابة السيناريو والحوار، لكنهما اختلفا في الرؤية. لذا كتب سناريو “الراعي والنساء” كل من محمد شرشر وعصام علي. أما حامد فقد كتب فيلمه المستقلّ عن القصة نفسها “رغبة متوحشة” للمخرج خيري بشارة، وعرض في الموسم نفسه، وقدمت فيه نادية الجندي دور الأرملة، ومحمود حميدة دور الرجل، وأدت سهير المرشدي دور شقيقة الزوج، فيما جسّد شخصية المراهقة وجه جديد: حنان ترك التي كان اسمها في ذلك الوقت حنان التركي. وعلى الرغم من أن النقاد احتفوا بفيلم “الراعي والنساء”، فإن النجاح الجماهيري كان من نصيب “نجمة الجماهير” نادية الجندي التي قدمت وجبة إغراء يحبها جمهورها، وجاراها في ذلك حميدة في أول بطولة له... كان “رغبة متوحشة” أقلّ عمقاً ومنطقاً بما لا يقاس، لكـــن شباك التذاكر لا يعترف بتقويم النقاد.

العاشرة والنصف على قناة «الشاشة»