بيار أبي صعب
توفيق فرّوخ ننتظره على أرض الجاز، فيأتينا من باب الفولكلور. نقول حسناً: هذه أسطوانته “توتيا” ستحمل لنا مزيداً من الفولكلور. لكن سرعان ما نكتشف أننا في مكان آخر. سنلتقي هنا التراث الأرمني، والموسيقى الشعبية الجزائريّة، بل سنعرّج حتّى على بليغ حمدي وستّ الكلّ... لكنّ هذا المؤلف الذي يعتبر من رموز مرحلة خصبة لن تتكرر في تاريخ بيروت الثقافي، يطعّم ألبومه الجديد بتوابل من الزمن الحاضر: من الراب... إلى الموسيقى الإلكترونيّة!
فهل ابتعد في كل ذلك عن روح الجاز، بما هو استيحاء وتحاور وتفاعل وإعادة توظيف ديناميكي لأعمال ومراجع وألوان؟ كتب النقاد كثيراً عن مدرسته في الجاز الشرقي، فإذا به يزاوج هنا بين الكمنجات العربية والموسيقى الإلكترونية، بين الطرب وناي ماجيك ماليك.
مقطوعات “توتيا” ليست إلا مراحل وحقب في رحلة واحدة، متواصلة. دائماً هناك في فكرة “الرحلة” في أعمال توفيق. تاريخه الفني والشخصي، عثراته ومغامراته، “أسراره الصغيرة” والكبيرة. من بيروت إلى باريس... مروراً بـ “برودواي” وسائر المدن الافتراضية التي يأخذنا إليها بآلته الساكس آلتو... قبل أن يعيدنا إلى ذواتنا، تارةً من خلال صوت ريما خشيش الملائكي (“يا حبيبي” يا ريما!)، وطوراً من خلال هذيان حول “الدلعونة” يحيل إلى عوالم صديقه القديم زياد الرحباني... من دون أن ننسى تحيّته إلى جوزيف صقر (شريك تلك التجربة التأسيسية أيضاً) في مقطوعة “رماد” التي تقوم على حوار بين الأكورديون (دافيد فينيتوتشي) وساكسوفون فرّوخ.