سعد هادي
لا تتناول ليف أولمن (1939) في كتابها “أتغيّر” وقائع عن حياتها كممثلة مشهورة تصدّرت صفحات الصحف والمجلات. صحيح أن بطلة السينمائي الكبير إنغمار برغمان، في السيرة التي صدرت ترجمتها العربية أخيراً عن “دار المدى” (ترجمة أسامة منزلجي)، تفرد مساحة للتحدّث عن حياتها المهنية كفنانة شكّلت أيقونة ثقافية ورمزاً للحركة النسوية في سبعينيات القرن المنصرم، لكنّها تكرّس الحيّز الأكبر هنا لطفولتها. ويبدو أنّ العلاقة المركزية في كتابها هي تلك التي جمعتها بابنتها لين. الممثلة المشهورة تطلق العنان لاعترافاتها وتحرّر نفسها من شعور بالذنب تجاه طفلتها، لأنّها لم تمنحها الوقت والعناية الكافيين.
ما مبرّر نشر هذه الترجمة المتأخرة للكتاب؟ إعادة اكتشاف هذه النروجية التي ولدت في مستشفى صغير في طوكيو، وعاشت صراعاً مع مهنتها على مرّ السنين، باحثة عن جواب لسؤال طالما أرّقها: “لماذا أنا موجودة؟ أو ببساطة من أنا؟”. تحكي عن بداياتها في التمثيل، وبقائها خارج منطق النجومية دائماً، لأنّها بكل بساطة كانت تفتش دوماً عن “مملكة الطفولة الضائعة”. تعود باستمرار الى طفولتها مشيرةً الى الفراغ الكبير الذي خلّفه موت والدها. “ذات يوم دفنت عرائسي بجوار قبره. لم أكن أريد له أن يستلقي هناك وحده”. بل أكثر من ذلك، تقول إنها كانت تتمنى الموت كي تستعيد والدها.
يحفل كتاب اولمن بالشخصيات غير المشهورة التي أثّرت في حياتها أو طبعتها بطريقة أو بأخرى. شخصيات هامشية وضعتها على قدم المساواة مع نجوم الفن والسياسة والمجتمع التي يمر بعضها مروراً عابراً في الكتاب.
في مقطع آخر، تبرّر أولمن قضاءها ليال موحشة في سريرها، فتقول إنّ الاستيقاظ صباحاً وحيدةً في السرير، أفضل من الاستيقاظ الى جانب شخص فيما شعور الوحدة لا يفارقك.
لا تعطي أولمن أحياناً رأيها في الشخص الذي تكتب عنه، لكنها تترك للموقف أن يفصح: “ترن فانيسا ردغريف جرس الباب وتحكي لي على مدى ساعتين عن الثورة، من دون أن تلقي ولو نظرة واحدة إليّ. تبدأ أعصابي بالتوتر، إنها لا تترك لي أي مجال لقول كلمة واحدة، وتطلب مني أن أحرر شيكاً. سوف يبنون مدرسة في لندن لتدريب قادة ثوريين جدد”. حتى إنّها أحياناً لا تشير إلى أسماء الأشخاص الذين تذكرهم في الكتاب، وقد يظهر بعضهم من دون اسم. لكنّ هذه الشخصيات حقيقية على حد قول الكاتبة، وما كتبته عنها يشكل جزءاً من حياتها.
“أتغيّر” الذي صدر عام 1977 وتلته سيرة ذاتية أخرى بعنوان “خيارات”، هو عبارة عن بحث دائم وتأمل في الحياة. تقول أولمن: “ما هو التغيرّ؟ هل يحصل داخلياً أم هو أمر أستشعره لدى الآخرين؟ لماذا أعمل؟ لأصبح أفضل كائن بشري أم أفضل ممثلة؟ وماذا أفعل بإنجازاتي؟ وماذا أفعل بهذا التغيير؟”. وفي خضم هذه الأسئلة الوجودية، تخلص الى أنّه “ربما ليس مهماً جداً أن أعرف، والوصول بحد ذاته ليس مهمّاً الى هذه الدرجة”.