علي زراقط
في عام 2003، عاد عمر الشريف إلى الشاشة بعد غياب دام أربع سنوات منذ فيلم «المحارب الثالث عشر»... كان ذلك في «السيد إبراهيم وأزهار القرآن» حيث جسّد دوراً يجيده بامتياز، من خلال قصة اجتماعية فيها الكثير من الشاعرية.
منذ «صراع في الوادي»، أحد أهم أدواره في مصر مع يوسف شاهين (1954)، مروراً بـ«دكتور زيفاغو» (1964) ثم «الأراغوز» (1991)، قدّم الشريف شخصية الرجل القوي شديد الحساسية. هذا النوع من الشخصيات المركبة شكل أهم أدواره، رغم أنه نجح أيضاً في تجسيد الصورة النمطية للقائد والرجل العربي الثائر، في عدد من الأفلام، لعلّ أبرزها «لورانس العرب» (1962).
في «السيد ابراهيم وزهور القرآن»، عاد الشريف إلى الشخصية الشاعرية. صوّره في فترة كان يعيش مرحلة صعبة: بعدما خفت بريق النجومية ودفعته الضائقة المالية إلى بيع جميع ممتلكاته في فرنسا، جاء الفيلم ليعيد إليه شيئاً من التألق الذي طالما افتقده في أدوار هوليوود النمطية. وهكذا، نال جائزة «سيزار» لأفضل ممثل عن دور السيد ابراهيم، الكهل المسلم الذي يسكن أحد أحياء العاصمة الفرنسية في فترة الستينيات، وما زالت رغبة الحياة وشهواتها تسكنه.
يشبه السيد ابراهيم عمر الشريف في مرحلة الشباب والتألق، يوم كان زوج سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. وهو ما صبغ أداءه بالكثير من الألم والحنين. كأنه كان يلعب دور شخصيته الحقيقية، ولكن في مكان آخر. كان أشبه بطيف لذلك النجم الذي كانه في الستينيات، شرهاً لأداء دور الرجل الغربي ذي الملامح الشرقية التي طالما ميزته.
يرصد الفيلم الذي نقله المخرج فرنسوا دي بايرون عن رواية الكاتب الفرنسي أريك أمانويل شميت (تحمل الاسم نفسه)، العلاقات في وسط باريس، المدينة المتسامحة حيث يعيش الجميع بهدوء. هي علاقات بين الرجال والنساء، وبين الناس والشوارع، وبين المراهقين والعجائز، وحتى بين الأديان المختلفة. يقدم المخرج نوستالجيا جارفة إلى المدينة والزمن... وعمر الشريف.
يروي الفيلم حكاية المراهق اليهودي «مومو» (أدى دوره الشاب بيار بولانجي) الذي يعيش مع والد مكتئب ومهمل في منزل متواضع. يتعرّف هذا الشاب إلى السيد إبراهيم (العربي المسلم)، صاحب المتجر على ناصية الشارع، فيتعرف من خلاله إلى الحياة، ويمنحه، في المقابل، فرصة استعادة حب الحياة والتمتع بها.
قدم الفيلم علاقة إنسانية فريدة بين مسلم ويهودي، بين شرقي وغربي، وبين عجوز ومراهق، والأهم أنه عكس صورة عن الإسلام تختلف عن تلك المشوهة التي تبثّها عادة شاشات هوليوود وأجهزة الإعلام الغربي.
أما المخرج دي بايرون الذي بدأ عمله مع فيلمي «مكان غريب للقاء» ثم لاحقاً «ما هي الحياة؟»، فيحوك نسيجاً فريداً بين شخصيات رمتها الحياة خارجاً وأهملتها، فالتقت مع بعضها لتكتسب أهميتها. فلسفة بسيطة، تجمع قصص الناس في لقاءٍ غريب، على طريق سريع، أو أمام باب ملهى ليلي، أو بالقرب من طرف الشارع، يتأهبون لإحداث تغيير جذري في حياتهم.

السابعة مساء على 2 Movie Channel