خليل صويلح
لا نجد جمهور “الطرب الأصيل” اليوم إلا في اللقاءات التلفزيونية العابرة. حين تسأل المذيعة أحدهم عما يرغب بسماعه، سيختار أغنية لأم كلثوم أو فيروز. وسيستعيد “زمن الفن الجميل” بحنين وأسى. وسيقال كلام دسم عن “الأغنية الهابطة” وانحطاط الذائقة الفنية، ما يجعل المرء يتساءل بجدية: “من أين جاءت كل هذه الحشود الهادرة إلى المدرجات المكشوفة لتهتف لمطربي الأغنيات الهابطة؟ ولمن تباع ملايين النسخ من هذه الأغاني؟
لنعترف بأن جمهور اليوم اتخذ قراره النهائي في طيّ صفحة “الطرب الأصيل”، وانساق بكامل قواه العقلية وراء أغاني الفيديو كليب التي تُكتب بخمس دقائق “على ناصية القهوة”. ولعلّ وضع الأغنية العربية اليوم هو أفضل تعبير عن واقع هذه الأمة المقهورة، التي وجدت في الكلام العادي و“المبتذل” صدى لتطلعاتها وجراحها. العسف اليومي الذي يعيشه أفراد هذه الأمة “الباسلة”، يحتاج صراحة إلى ما يشبه هذا “العواء” الذي يتسرب طوال اليوم، من مطابخ فضائيات لا تحصى، كأنه صنبور مفتوح. انحطاط الأغنية، من وجهة نظر “سوسيولوجية” ضرورة مرحلة، ونبش حقيقي في “مشاعر” جيل اليوم الذي يجد في أغاني سعد الصغير، مرآة لذاته الممزقة أكثر من كلام السياسيين والدعاة معاً. منذ أيام استضافت احتفالية جائزة “نوبل” المطرب حكيم كي يمثّل العالم العربي(!)، مثلما استعانت نقابة الصحافيين في القاهرة بشعبان عبد الرحيم لحالة ولادة مستعجلة هي صنع أغنية تنتقد إعدام صدام حسين. عبد الرحيم على أي حال، هو الطبيب “المداويا” لليلى المريضة في العراق. ما دام اللحن جاهزاً في “عبه” والكلمات لا تحتاج إلى شحن القريحة كثيراً: بضع مفردات من حواضر البيت، وما هو متداول في الشارع وكفى.
شعبولا الذي كان “شتيمة ثقافية”، صار اليوم ضمير الجماهير الغاضبة وجرّاح الجسد العربي المريض. وهو ليس دخيلاً على الأغنية العربية، كما يتصور بعضهم، بل المتن والجوهر. الذائقة اليوم تحتاج فعلاً إلى غسيل وكيّ و“مكوجي” مثله، كي يعيدها إلى رونقها. أما ما بقي من جمهور أم كلثوم وعبد الحليم وفيروز، فليذهب إلى فضائية “روتانا طرب”، وليسترخِ على أريكة الذكريات.