بيار أبي صعب
لو أننا نعيش في نظام ديكتاتوري، لسهل التعامل مع “حمّام” عايدة صبرا! لكننا ننعم بديموقراطية ليس لها مثيل في الشرق الأوسط (القديم)، فكيف تريدنا المخرجة أن نتعامل مع التصوّر السينوغرافي لمسرحيّة “حمام عمومي”؟ لنقل إن ديموقراطيتنا مثل “الحمام المقطوعة ماؤه”... وهذا يقرّب العرض الذي يقدّم هذه الأيام على خشبة “مسرح مونو” في بيروت، من الراهن السياسي. ما زال المسرح ممكناً إذاً، فيما الوطن نفسه لم يعد ممكناً؟ في بلد الازدواجيّة بامتياز، حيث الأقوال غير الأفعال، حيث القاعدة أن نظهر غير ما نبطن، يصبح “الحمّام” مختبراً ميتافيزيقياً بمعنى ما. إنّه بطل اللعبة الغرائبيّة التي تدور في “مسرح” ديكوره ناقص، وممثلوه لا يتفقون على شيء (لبنان؟)، يحاولون ــ سدىً ــ إنجاز عرض مسرحي (بناء دولة؟)!
لكنّ مسرحيّة “حمام عمومي” التي تنضح بمتعة الفرجة واللعب، تنطوي على عناصر تمثيلية ومشهديّة لا تستقيم في عمل فنّي متماسك. مسرح تجريبي إذاً؟ بل محاولات وأفكار، نثار مشاهد طريفة ومواقف عبثية وابتكارات مشهديّة على أنواعها. مجموعة اسكتشات تظهر مرونة الممثلين، وتحمل بصمات عايدة صبرا. لكن هذه الفنانة اللافتة وقفت هذه المرّة عند حدود مشاغلها كأستاذة مسرح... حركت مخيّلة ممثليها الذين ينبضون بحيويّة جميلة، من خلال إحالات إلى مسرح العبث (ألبي، يونسكو...). ثم راكمت الارتجالات على الخشبة من دون رابط فعلي.
إذا تعاملنا مع هذه التجربة كفعل “مقاومة” ثقافيّة، فسنكون أول المصفقين لعايدة صبرا التي تملك من الموهبة والشجاعة ما يستحق الثناء. وإذا كان الهدف أن نكتشف طاقات شابة واعدة، أو نعيد اكتشاف مواهب لافتة مثل إيلي متري (فلافل) وسينتيا كرم (الـ“سوبر ــ ستارة” الوحيدة التي لم تنزلق إلى لعبة الاستعراض السهل)، فقد أدت التجربة غرضها أيضاً. أما حين نتناول “حمّام عمومي” بصفته عملاً مسرحياً، فإننا نبقى على نهمنا. بصراحة، لقد تعبنا من هذا الشكل الذي يعفي الفنانين من بلوغ النضج الفكري والجمالي، والذي نسميه ــ تجاوزاً ــ “المسرح داخل المسرح”.