بيار أبي صعب
أن تعود الثقافة الفرنسية لتلتحم بالضاد، بعدما انحسرت تحت وطأة البراغماتيّة الأنغلو ــ ساكسونيّة... فهذا أمر جميل. وأن يدرس طلاب الجامعة في أبو ظبي تبعاً لمناهج الـ “سوربون”، فهذا ما يبشّر، ربّما، بغد مشرق ونهضات مقبلة. ذلك أن لغة موليير لا يمكنها أن تكون محايدة. إنها بطبيعتها حاملة نهضة. وهي لغة رفض وتمرّد وتنوير، واعادة نظر بالثوابت والمقدسات... وفي أقل تقدير لغة حقوق الإنسان وقيم الثورة الفرنسية من حرية وأخوّة ومساواة، وغير ذلك من مبادئ “الجمهورية” كالعلمانية والديموقراطيّة...
أما أن تقام نسخة من متحف اللوفر في “جزيرة السعادة” في أبو ظبي، فالأمر يثير الحيرة. للوهلة الأولى، لا بد لأي عربي، أن يفرح بهذا المشروع الذي يمكن أن يكون رئة في المنطقة، تساهم في تحريك مخزونها الحضاري النائم ليعود إلى سابق عهده من الابتكار والريادة العالميّة والتفاعل مع روافد الحضارة البشريّة. لكن الرئات لا تزرع هكذا، ولعلّ الاحتمال كبير بأن يلفظ الجسد الخليجي ذلك العنصر الغريب. هذا إذا افترضنا أن “متحف اللوفر” في صيغته الخليجيّة مصمّم للعامة، مثل كلّ متاحف العالم! لكن هل سيكون “اللوفر العربي” في متناول الناس حقّاً؟ أم انه سيقتصر على نخبة من أسياد العالم الذين سيؤمّون تلك المحميّة الطبيعية بيخوتهم؟... الـ “عامة” لا وجود لها على الأرجح، بالمعنى الحقوقي والمدني، من دون ديموقراطيّة. من دون ديموقراطيّة، تصبح العامة رعاعاً. والرعاع بفضّل تعاليم بن لادن على لوحة كوربيه “أصل العالم”!
آه كوربيه، غوستاف كوربيه. تصوّروا أن تعرض لوحته الشهيرة “أصل العالم” في جزيرة السعادة (اللوحة من مقتنيات “متحف أورسيه” الباريسي لا “اللوفر”، لكن لنفترض). هل يمكن أن تصل ينا السذاجة إلى حدّ تصديق وزير الثقافة الفرنسي، إذ يؤكّد غياب أي رقابة إماراتية على مشاهد العري أو الرموز الدينية؟ تصوّروا قليلاً، في أبو ظبي، مشهد تلك المرأة المستلقية، فاتحة فخذيها، تقدم للناظر فرجة صادمة وأليفة في آن. يقال إن دبلوماسياً مسلماً، تركياً، أوصى عليها الفنان الواقعي الفرنسي (1819 ــ 1877) الذي كان الفيلسوف الاشتراكي برودوم يطمح أن يجعل منه رسام البروليتاريا! عذراً رفيق برودوم، لقد وقف كوربيه مع “كومونة باريس”، لكنّه سيدخل التاريخ بتلك اللوحة الزيتية على قماش (55 x 46 سنتم) التي دوخت العالم وما زالت... وانتهت إلى بيت عالم النفس الشهير جاك لاكان.
أرسل الزميل عبد الإله الصالحي “أصل العالم” عبر البريد الالكتروني مقترحاً نشرها مع مقالته (!) لكننا نعتذر منه ومن القراء طبعاً، “فقط” لأن اللوحة خارج الموضوع... ثم أن كوربيه ذهب يستجم في «جزيرة السعادة». وإذا أردت أن تعرف ماذا في جزيرة السعادة، فعليك أن تسأل عن صفقة طائرات «الإيرباص»...