زكي (بيضون) على الدرج... وعمة (لوركا سبيتي) ماتت»، والشاعر محمد العبدالله وجد نفسه مرغماً على افتتاح الأمسية الشعرية في “مكتبة بلدية بيروت” أول من أمس. كان يفترض بصاحب “بعد قليل من الحبّ، بعد الحبّ بقليل” أن يكون مسك الختام، بعد استماعه إلى قراءات شاعرين من الشباب، المفروض أنهما زكي بيضون ولوركا سبيتي.تلك الجلسة السريالية، تأتي ضمن سلسلة من الأمسيات الشعرية التي تحتضنها “مكتبة بلدية بيروت” منذ 2005، استضافت شعراء باوزين بينهم محمد علي شمس الدين، شوقي بزيع، عصام العبد الله، هنري زغيب، عباس بيضون... دائماً مع تجارب شابة!
الشاعر المخضرم الذي أصدر أخيراً كتابه «ألف ومئة وأحد عشر يوماً في بيروت» (دار الفارابي)، جلس إذاً على المنصة بين كرسيين فارغين. ناظم السيّد، بيده ديوانه تحسباً للطوارئ، أي إذا طالت رحلة زكي بيضون على الدرج... ارتجل تقديماً للشاعر «الفوضوي الخلاّق»، ونصح الجمهور أن يطلب منه قصيدة «بيريرا» التي كانت بالفعل أول ما قرأه العبدالله. قصيدة عن الخادمة السيرلانكية، «الزنبقة السوداء ولؤلؤة الشرق الأقصى». كان الشاعر يعرّف بقصيدته قبل القراءة. هذه تفعيلة، وتلك عمودية في «إلسا» التي «نحت الرب وجهها واستطاب/ فاقشعر الإزميل دهشة وذاب». كان يلفظ الحروف كأنه كتبها للتو. كل تفاصيل وجهه تنطق بها. أخذ ينقّل نظره بين الجمهور، فتقع عيناه على صبيّتين جميلتين. تتسع ابتسامته ويكمل القراءة. تحط عيناه على الفتاتين، فتحمر وجنتاهما وتضحكان ارتباكاً. تعجبه اللعبة فيستغرق فيها قارئاً «جاز». «كل قصائدي عن النسوان... وهذه عن فاطمة» يقول، فاطمة الـ «شِرْحة، عيونا مدينتين عم يسهروا تحت الشتي»... قصيدة بالعامية.
يقرأ الشاعر الأكثر من فوضوي، ويكمل لعبته مع الفتاتين. يكمل، إلى حد لا تعود تعرف إن كانت قصيدته التي وصفها بأنها «محاولة لن تتكرر» هي وليدة اللحظة... أم وليدة لحظة مماثلة في زمن آخر؟ فهو يحكي عنهما «اللتان معاً/ زنبقة وزنبقة/ زنبقتان». ثم حنان وكاترين...
وعند ذلك ينتهي الدرج. بعد ثلاثة أرباع الساعة على بدء الأمسية، يصل الشاعر الشاب زكي بيضون. تصل «عائلة بيضون كلها. عباس وبانا كمان» يقول العبدالله مرحّباً بزميله الذي جلس إلى يمينه. يوضح له بكثير من الجديّة أنه قام بالواجب، وتولى عنه مهمة قراءة الشعر في انتظار أن يصل ويقوم بدوره. لكن لا بدّ من تقديم من ناظم السيّد الذي يحاول أن يشرح للجمهور عن البعد الميتافيزيقي في أشعار زكي بيضون «القارئ النهم للفلسفة». يقاطعه العبد الله طالباً منه أن يكتب ما يقرأه في جريدة، وليس في التقديم.
حين يبدأ زكي بالقراءة من ديوانه «جندي عائد من حرب البكالوريا»، لا يمكنك إلا أن تلاحظ الفرق بين جيلين. بين شاعرين. الأول وضع كتابه فوق الطاولة، وراح يقرأ كأنه يغني، متتبّعاً تأثير كلماته في الحضور. والثاني وضع الكتاب تحت الطاولة، وراح يقرأ كمن يتلصص على درس الجغرافيا في حصة «التسميع». ارتباك لا ينقذه منه إلا الإطراء الذي يحصل عليه من الحاضرين، بعد انتهائه من قصيدة عن قرار الشيطان تنفيذ عملية انتحارية ضد الله.
ولأن العادة درجت أن يختم الشاعر المخضرم الأمسية، قام محمد العبد الله بدوره طوعاً، وكانت لافتة قراءته لقصيدة من ديوانه الأول الذي أصدره عام 1978 بعنوان «رسائل الوحشة».

تقيم مكتبة بلدية بيروت أمسيات شعرية مساء الاثنين الثاني من كل شهر، إضافة الى عروض سينمائية (الاثنين الرابع من كل شهر)، وندوات عن الموسيقى العربية (الاثنين الأول) والكلاسيكية (الاثنين الثالث).