الرباط ــ ياسين عدنان
في إحدى الحفلات التي نُظّمت على هامش مهرجان مراكش الدولي للفيلم الأخير، رقص الجميع مع «الفناير». المسؤولون الذين حضروا مهرجان مراكش سهروا مع هذه الفرقة المراكشية التي تبقى نبتة برية وسط حديقة الصُّبار التي عرفها المغرب الفني مع بداية الألفية الجديدة.
موسيقيون شباب اختاروا الراب والهيب هوب، وبدأوا يمارسون عشقهم لهذه الاختيارات الفنية بحرية... قبل أن يجدوا أنفسهم في قفص المحاكم، في سياق ما عُرف قبل سنوات بمحاكمة «عبدة الشيطان» التي سيتحول اسمها في ما بعد إلى محاكمة «الموسيقيين الشباب». ولأن المحاكمة التي استحوذت على اهتمام الرأي العام المغربي أنصفتهم، فإنهم سيتغلغلون أكثر في الشارع الذي أجاد احتضانهم. وجاءت تظاهرة «البوليفار» أو «شارع الموسيقيين الشباب» التي تنظمها جمعيات المجتمع المدني، ومنابر مغربية مستقلة، لتؤسس أحد أكبر الاحتفالات الموسيقية المغربية التي لا علم للإذاعة والتلفزيون بها.
في شارع الموسيقيين الشباب، تتألق «الفناير» سنوياًً بأغانيها التي تستلهم الموسيقى الشعبية المغربية بمختلف ألوانها وإيقاعاتها وتقدّمها بآلاتها الموسيقية الغربية الحديثة: الغيتار، الساكسو، التشيلو... وقبل ثلاث سنوات، قدمت «الفناير» أغنيتها الشهيرة «ما تقيسش بلادي» (لا تنل من بلادي) التي تدين تفجيرات الدار البيضاء.«هوباهوبا سبريت» من أبناء تظاهرة «البوليفار»، المواظبين على صخبه الجميل. مجموعة تمزج الفولك بالريغي والكناوة. تحاول هذه الفرقة التعبير عن هموم الشباب... أما الشكل الموسيقي الذي يقترحونه فهو «الحيحة ميوزيك» (أي موسيقى الصخب والفرجة والاشتعال).
مجموعة «آش كاين؟» (أي: ماذا هناك؟) التي تولي أهمية خاصة للاجتهاد الموسيقي، حاضرة دائماً في الموعد. صحيح أن أعضاءها يعتبرون مضمون الكلمات أساسياً في أغانيهم، مثلهم مثل بقية فرق الراب والهيب هوب، لكنهم يصرون على تقديم أنفسهم كموسيقيين. ولهذا يحرصون على محاربة المشككين في تجربتهم، بالمزيد من التألق في مجال البحث والأداء الموسيقيين. ويبدو أنهم نجحوا في كسب الرهان. المشكلة تكمن فقط في العقليات المحافظة التي ترفض قبول أن هؤلاء الشباب هم مغاربة، بدليل هوياتهم أولاً، والألوان الشعبية المغربية التي أجادوا توظيفها في بحثهم الموسيقي... ناهيك بالتحام كلماتهم بهموم الشارع المغربي التي يتجنبها مطربو دار الإذاعة والتلفزيون. يعتبر أعضاء «هوبا هوبا سبريت» أنّ كل موسيقى أبدعها فنانون مغاربة هي موسيقى مغربية. هناك الراب، الروك، الراي، الشعبي وهذه كلها ألوان يبدعها فنانون مغاربة لكنها لا تحظى باهتمام التلفزيون. يقول أحد أعضاء الفرقة: «نحترم الفنانين الرواد مثل عبد الوهاب الدكالي وعبد الهادي بلخياط، لكننا نرفض أن نجعل الأغنية المغربية حكراً عليهم، فيما يصنفوننا ضمن الموسيقى الغربية لأننا نستعمل الغيتار والباتري. نحن أيضاً فنانون مغاربة ولنا جمهور كبير. لكن منتجي التلفزيون عودونا على الإمعان في الغياب عن هذه التظاهرة. لكن هذا كله لن ينجح في إلغائنا».
طبعاً لا يمكن إلغاء ظاهرة فنية لها جمهورها. الجمهور الشاب الذي يتابع هذه الفرق يشبه أعضاءها: السن نفسها. الوَلَه نفسه. واللباس نفسه. شباب في سراويل جينز فضفاضة، وملابس رياضية غربية... إضافة إلى قمصان لاعبي كرة السلة الأميركيين! وصبايا جميلات، بأحذية عسكرية وتنانير جلدية يرتدينها فوق الجينز. بعضهن يعتمر قبعات قروية، مثل تلك التي ما زال يعتمِرُها نساء البدو لإضفاء اللمسة المغربية على لباسهن. طبعاً لقد نجح هؤلاء في أن «يُمَغرِبوا» الـ Hip Hop باستلهام الإيقاعات الشعبية في أغانيهم وكتابة نصوصهم انطلاقاً من لغة الشارع المغربي العارية والمنفلتة. تقول ياقوت المولعة بفرقة «هوبا هوبا سبريت»: «أنا مغربية أصيلة، من أسرة فاسية عريقة وأحب الـ»هيب هوب»، فأين المشكلة؟»... صحيح، أين المشكلة؟