رنا حايك
اهتمام MBC بالشخصية القبطية هذه الأيام
يطرح تساؤلات عدّة عن سبب غيابها شبه التام عن الشاشة... هل هي “الطائفية”؟ أم ان جمهور الخليج “عاوز كده”؟


يوم قررت “إم بي سي” عرض مسلسل “بنت من شبرا”، كانت تعرف أن “المجازفة” تستحق الدعم عبر سلسلة من الإعلانات والبيانات الصحافية. فالقناة السعودية تقدم عملاً أثار الجدل قبل ثلاث سنوات، ومنع من العرض بسبب اتهامه بالتحريض على الفتنة الطائفية. وهو ما دفع بوزير الإعلام المصري ممـــــــــــــــدوح البلتاجي إلى إحالته على الكنيـــــــــــــسة والأزهر، عازياً ذلك إلى التأكد من أنــــــــــه لن “يؤثر سلباً في الوحدة الوطنية داخـــــــــــل مصر”. تدور قصة “بنت من شبرا” المقتبس عن رواية لفتحي غانم (تحمل الاسم عينه)، حول علاقة تجمع إيطــــــــالية من مواليد مصر (ليلى علوي)، وشاب مـــــسلم (طارق لطفي).
قبل يومين، انتهى عرض المسلسل. ومرّت القصة على خير. لكن “إم بي سي”، على ما يبدو، لم تكتف بهذا القدر من الجرأة، وها هي تعرض حصرياً مساء اليوم، فيلم “بحب السيما” الذي يتناول هذه الإشكالية. وهو قد تعرّض لهجوم ديني ورقابي، لم يتوقف إلا عندما أجازت المحكمة عرضه. من هنا، يطرح بثّ القناة السعودية لهذين العملين في توقيت متقارب العديد من علامات التعجّب، فيما يحجم كثيرون من صنّاع السينما عن إنتاج أفلام تسند أدوار البطولة فيها إلى شخصيات قبطية، خشية ان “تغلق أسواق الخليج أبوابها أمامنا”.
قد يعود سبب هذه التساؤلات في المقام الأول إلى أن الشخصية القبطية التي شكّلت مادة دسمة للرقابة المصرية، بقيت لسنوات طويلة بعيدة عن أضواء الشاشة، في ظلّ توتر طائفي ما زال يعيشه الشارع المصري. وفي دراسة نشرتها الباحثة انتصار بدر في مجلة “أدب ونقد” المصرية عام 2003 تحت عنوان “الشخصية المسيحية في رحلتها على الشاشة الفضية”، كشفت أن الشخصية القبطية لم تستأثر بدور البطولة سوى 23 مرة خلال نتاج سينمائي وصل إلى حوالى 3000 فيلم. وعزت ذلك إلى تهميش تلقائي للأقليات، وتفادي متعمد للاصطدام بالجهاز الرقابي ــ الديني، إضافة إلى دوافع تسويقية يحرّكها الحفاظ على إمكان التوزيع في الخليج. وعلى رغم أن أول بطولة مطلقة في السينما المصرية سجّلت عام 1923 من خلال أول فيلم روائي قصير حمل اسم “المعلم برسوم يبحث عن وظيفة”، احتكرت الشخصية المسلمة الشاشة لسنوات، وانحصرت الأدوار المسيحية بالنساء فقط، وارتبطت في أغلب الأحيان بالجنسية الأجنبية... هكذا توالت منذ عام 1928 الأفلام التي تدور أحداثها حول الصدام الثقافي الاجتماعي الذي ينشأ عن الارتباط بين شاب مصري مسلم وفتاة أجنبية مسيحية مثل: “قبلة في الصحراء” (1928)، “وخز الضمير” (1931)، و“أولاد الذوات” (1932). عام 1945، عاد البطل المسيحي للظهور في فيلم “حسن ومرقص وكوهين” المقتبس عن مسرحية لنجيب الريحاني. سُخّر الفيلم لخدمة مفهوم الوحدة الوطنية من خلال صداقة تنشأ بين ثلاثة مواطنين: مسلم ومسيحي ويهودي. إلا أنه وقع في فخ تنميط الشخصية بحسب الانتماء الديني: فالمسلم سهل الانقياد، والمسيحي ماكر، واليهودي خبيث، يؤمن بمبدأ الغاية التي تبرر الوسيلة. والتنميط نفسه لحق الطبعة النسائية من الفيلم الذي أنتج عام 1949 تحت عنوان “فاطمة وماريكا وراشيل”، من إنتاج حلمي رفلة وإخراجه.
أما فيلم “ليلة القدر” للمخرج والممثل حسين صدقي، فقد أرّخ عام 1952 لأول رقابة مباشرة للمؤسسة الدينية. فقد أساء هذا الفيلم، بنظر الكنيسة، للمسيحيين بسبب تناوله قصة عائلة قبطية تعارض إشهار ابنتها إسلامها بعد زواجها من رجل مسلم. وهي تلجأ إلى “إفساد أخلاقها” بالحفلات الخلاعية التي يفهم من الفيلم أنها عادات مسيحية. منع عرض “ليلة القدر” بضغط من الكنيسة، ولم يقدّم إلا عام 1954، بعد قيام ثورة يوليو وتحويل اسمه إلى “الشيخ حسن”، وتقديمه بعبارة “اليوم يتحقق مبدأ الفن في خدمة الإسلام”، في إشارة إلى تخصيص إيرادات الفيلم للمؤتمر الإسلامي.
كل هذه الصدامات جعلت المخرجين يتجنّبون تقديم الشخصية المسيحية في أفلامهم، ويكتفون بتقديمها في شكل هامشي أو ذات أصول أجنبية كما في فيلم “حسن وماريكا” عام 1959، كما تفيد الدراسة الآنفة الذكر. لكن عام 1963 شكّل نقطة مفصلية، إذ ابتعدت السينما عن حاجز النمطية، فظهر عيسى العوام في فيلم الناصر صلاح الدين، وأدت هند رستم دور “شفيقة القبطية” ثم “الراهبة”، وبدت هذه الشخصيات واقعية بعيدة عن النمطية. وفي التسعينيات، تبدّلت الدوافع وتخطت خوف الاصطدام بالرقابة، إلى خوف عدم التوزيع في الخليج. في هذا الإطار، برزت جرأة بعض المخرجين على خرق هذا الخوف، فكان “نوبي”، بطل “مرسيدس” يسري نصر الله، مسيحياً. ونجح “الكلام في الممنوع” في الوصول إلى الصالات، بعدما ظل حبيس الأدراج لمدة ثلاث سنوات. وانتقد عادل إمام في “الإرهابي” (1994) بقسوة نظرة المتطرفين الى الأقباط. وشكّل المستنقع الطائفي اللبناني مادة دسمة للمخرج محمد سيف عام 2001 في فيلم “بطل من الجنوب” الذي تدور أحداثه حول الحرب الأهلية في لبنان، وهو من بطولة كارمن لبّس ونجلاء فتحي. في النهاية، ومهما كانت دوافع “إم بي سي”، لا بدّ من أنها تسهم في حثّ المنتجين على إعادة النظر في هواجسهم بشكل أو بآخر، وخصوصاً أن سياسات البثّ لا تستطيع تجاهل الواقع. كيف لا و“إم بي سي” تطلق قريباً قناة للأفلام والمسلسلات شعارها الاختلاف والنوعية؟