strong>محمد محمود
في حزيران (يونيو) 2004، استقبلت دور العرض فيلم “بحب السيما” بحفاوة بعد صراعه الطويل مع لجنة الرقابة المصرية، وبعد أزمات عدة لا حصر لها، وضعته في بؤرة الضوء حتى قبل أن يشاهده الجمهور.
لاقى الفيلم استحسان الجمهور والنقاد. وتميّز بكونه من الأعمال النادرة التي أسندت أدوار البطولة إلى شخصيات قبطية، وكسر النموذج التقليدي الذي حصرهم دائماً في أدوار ثانوية تحمل ملامح الطيبة والتسامح، بسبب “حساسيات دينية قد يستغلها بعضهم في إثارة فتنة لا تتحمل صناعة السينما نتائجها”، حسب رأي معظم المنتجين. لم تظهر أي شخصية مسلمة بين أبطال الفيلم الرئيسيين. وهو نقل حياة الأقباط إلى الشاشة كما هم في الواقع... مصريون يعيشون مثل المسلمين، بينهم المتشدّد والمعتدل والمنحرف أيضاً. وعلى رغم أن مؤلف الفيلم هاني فوزي، ومنتجه المنفذ هاني جرجس فوزي، ومخرجه أسامة جرجس فوزي هم جميعاً أقباط، صبّت الكنيسة جام غضبها على القصة. وهي تروي حياة والد مسيحي يحرم عائلته من أشياء كثيرة بدعوى أنها تفتقر إلى أي هدف ديني. حتى إنه يرفض ممارسة الحب مع زوجته، لأنها لا تحقق هدفها الديني: الانجاب. وفي الوسط، يقف الابن حائراً بين السينما التي يحبها وتشدّد الوالد. لكنه ينتصر في النهاية عندما يكتشف الأب أنه أجهد نفسه وعائلته بسبب علاقته الشائكة بخالقه، علاقة كان يغذيها الخوف لا الحب.
اجتاز “فيلم الأزمات”، كما يطلق عليه بعضهم، الكثير من العقبات خلال فترة التصوير التي استمرت ثلاث سنوات. ثم تعطلت مراحل المونتاج والطبع، بسبب مشاكل مادية حتى تدخلت أخيراً المنتجة إسعاد يونس وموّلت “بحب السيما” ليبصر الفيلم النور بعد أن بلغ عمر أحد أبطاله، يوسف عثمان، 10 سنوات، فيما بدأ التصوير في سن السادسة. لكن المعركة لم تنته هنا، إذ بدأت حرب الرقابة التي طالبت الكنسية بمشاهدته قبل السماح بعرضه. وهو ما قوبل بهجوم عنيف من الأوساط الثقافية والسينمائية. ولم تنته الضجة إلا بعدما تراجع رئيس الرقابة مدكور ثابت عن موقفه، شرط ان يكون “للكبار فقط”. وفي العرض الخاص للفيلم، تجمّع كبار الفنانين حول الأبطال محمود حميدة وليلي علوي ومنة شلبي لمساندتهم ضد الحملة الشرسة التي سبقت العرض. لكن المشاكل ظلّت تطارد الفيلم، إذ سارع عدد من القساوسة والمحامين الأقباط إلى تقديم سلسلة من الشكاوى ضد الفيلم، مطالبين بمنع عرضه، واتهامه بالسخرية من العقيدة المسيحية وإلصاق صفة التعصب بالأقباط... لكن المحكمة أطلقت حكم البراءة بعد أسابيع من انتهاء العرض الجماهيري للفيلم الذي حقق إيرادات متوسطة. شارك “بحب السيما” في مهرجانات عدة، وحصد أبطاله جوائز عدة، خصوصاً محمود حميدة وليلي علوي ومنة شلبي التي قدمت دوراً متميزاً في بداية مشوارها الفني... التلفزيون المصري رفض عرضه منعاً لإثارة النعرات الطائفية، لتفوز به “ام بي سي”، وتعرضه حصرياً هذا المساء.

التاسعة والنصف على MBC