نور خالد
من المحيط إلى الخليج، يُحكم رجال الأعمال قبضتهم على المشهد الفضائي. بعضهم يتوخى الربح، وبعضهم الآخر السلطة... لكنهم جميعاً لا يحبّون التطرّف، ويبحثون عن المعادلة السحرية لتحقيق “إعلام سعيد”!

ما هو طموح رجال الأعمال العرب، حين يقررون إضافة شعار قناة فضائية إلى «ملفّ العلامات التجارية» التي يملكونها؟ ربما السلطة، وربما التجارة، وربما شــــــــيء من الاثنتين معاً.
في بداية الألفية الثالثة، قرر أحمد بهجت الذي يمتلك 42 شركة في مصر، تستثمر في العقارات والأراضي والسلع الإلكترونية، أن ينشىء مع 299 مستثمراً مصرياً قناةً فضائيةً، اتفقوا على تسميتها «المحور». سرعان ما دبّت الخلافات، فخرج بهجت من عباءة «المحور» الى «دريم»، مع 680 ألف دولار، كان ينفقها سنوياً على الإعلانات عن مشاريعه في قنوات التلفزة المصرية. لذا، آثر أن يوظّف هذه القيمة لإنشاء قناة تقدم إليه هذه الخدمة... مجاناً. كان عليه أن يستقطب نجوماً يرفعون نسبة المشاهدة، ويخوضون في مواضيع تثير انتباه الشارع المصري الغارق في إحباط القمع وقلة الحيلة. جاءت هالة سرحان لتتوغل في عالم الجن والجنس والسياسة، ثم «رئيس التحرير» حمدي قنديل الذي يتخلى عن دماثة الخلق التي تميز شخصيته حين يتعلق الأمر بنقاش سياسة حسني مبارك. وأطلّ عبد الناصر، بواسطة محمد حسنين هيكل، في برنامج «لقاء مع الأستاذ».
بعد أشهر، ظهرت بوادر الجلطة الأولى في قلب بهجت، بعدما تلقّى «مكالمة»، وهو خارج مصر، فيما هيكل يطل على شاشته، جاء فيها: «ارجع الى مصر وسددّ ديون البنوك وإلا فسيكون مصيرك السجن». وهو ما يعني: أوقف هيكل عن الظهور، «طفّش» قنديل، و«أسكت» سرحان. هذا ما حصل بالفعل، وظلّ بهجت محتفظاً بقلب متعب ومقموع، استوجب مبضع جراحة ونقاهة يقضيها حالياً في الخارج... «تحت السيطرة».
في الخليج، يبدو أن رجال الأعمال لا يعانون الضغط النفسي ذاته. وبخلاف تجارب «العربية» و«الجزيرة»، فإن «روتانيات» الوليد بن طلال التلفزيونية، تجسّد نموذجاً لما يعرف «بالاستثمار الآمن» لرجال الأعمال في الميديا. إنه الترفيه، ولا شيء غيره. الرقص وسينما الأبيض والأسود، وعروض هالة سرحان الاستعراضية والترويج لأفلام الموسم السينمائية، وشريط أسفل الشاشة يتسع للحب والثرثرة والاشتهاء وإفراغ الأزمات النفسية... كل ذلك بدا كأنه الاستثمار الأمثل الذي لا يسبب أي أزمة قلبية.
«الاستثمار الآمن» ينشده رجل أعمال مصري آخر، هو حســــــــن راتب الذي يمتلك 14 شركة في مجالات متــــــنوعة، على رأسها الأسمنت، من خلال تجــــــربة تلفـــــــزيون «المحور» التي تفرّد بامتلاك أكثـــــــر من 85 في المئة منــــــها. في مبنى تجمّع شركاته الذي يسمى «سما»، ويقـــــــــع في منطقة صحراوية على أطـــــــراف القاهرة، تنتشر صوره مع الرئيس حسني مبارك على جدران المكاتب: «أعتـــــــقد أن نظام مبارك هو الأمثل للوضع الحالي. على رغم الكثير من المشاكل، إلا أن البــــــــديل قد يكون مريعاً». يتحدث راتب بمنطق رجال الأعمال الـــــــــذين تخــــــــيفهم التقلبات، فهم يجنون الكثير، من الاستقرار السيـــــاسي، حتى لو كان تحته رماد يغلي. يصـــــــر أن لا علاقات تجارية تربطه بـ«ابن الريّس»، وأن برنامج «90 دقيقة»، الأعلى مشاهدة على «المحور»، مفتـــــــوح لاستقبال الجميع بمن فيهم «الإخوان المسلمين». لكنه، «شخصياً»، يفضل «الاعتدال وعدم جعل القنـــــاة منبراً للتطرف». حتّى الآن، لا تـــــــزال أرباح شركاته الأخرى هي التي تـــــــمول عجز «المحور» المالي، على رغم انخفـــــاض العجز بنسبة 40 في المئة عن السنتين السابقتين، بعد إعادة الهيكلة التي أجراها للقناة، بضخّ خمسة ملايين دولار فيها السنة الماضية. يحفظ راتب الكثير من أشعار صلاح جاهـــــــين، ويحتفـــــــــظ بعشق خاص لأهالي سيناء الذين حارب معهم في حرب العبور في 1973. كما يرتبط بعلاقات وطيدة مع القبائل، وقـــــــــد بنى الى جانب خيمهم جامعة عصرية. إلا أنه يعتبر نفسه من أبناء الجيل الذي «آمن بالحلم، واستفاق على كابوس». في مكتبه الفخم، علّق شاشـــــتين، إحداهما تبث صور «المحور» وأخرى تبث «الجزيرة». وحين يطلــــــّ هيكل عـــــــــلى شاشة القناة الثانية، يقــــــــول راتب: «إنه الأستاذ الذي نقدسه ونختلف مع ما يقوله».
ومن القاهــــــــــــرة إلى دبي حيث ينتقد ايهاب حمود، مدير برامج «تلفزيون الآن» ســذاجة الادعاءات التي تتحدث عن «مال أميـــــــــــــركي سياسي يقف خلف تمويل القناة التي يُراد لها أن تكون نسخة أقلّ غباوة من الحرة». يقول: «لسنا مرتبطين بالأميركيين، وتمويل القناة تضخّه مجموعة من رجال أعمال». لا يرغب حمود في الإجابة عن مصدر تمويل القناة، لكنه يؤكد أن التلــــــــــــفزيون يركز على مفهوم «الأخبار الإيجابية»، وترفيه الناس. إنها الثقافة الجديدة التي ينشرها رجال الأعمال في استثماراتهم في الميديا. وهي سياسة لا تخدم، في عالمنـــــــــــا العربي، أهدافاً آمنة... بالتأكيد!