محمد محمود
خلال العدوان الأخير على لبنان، تحدّث نور الشريف
عن تحولات أساسية ستشهدها الأعمال الدرامية، “بسبب الصور الدموية التي تركت أثراً في نفوس المبدعين”. وصحّت توقعات الممثل المصري: الصراع العربي ــ الإسرائيلي يعود بقوّة إلى الشاشة


هل يمكن الدراما المصرية أن تعيد الصراع العربي ــ الإسرائيلي إلى بؤرة اهتمامات المشاهد، بعدما نجح التلفزيون، المتواطئ مع الجهات الحكومية، بتحويل اهتمام الناس عن القضية الفلسطينية لسنوات؟ سؤال بدأ يردده بعض العاملين في كواليس الوسط الفني بعدما أُعلن عن اقتراب موعد تصوير مسلسل “نقطة نظام” للمؤلف محمد صفاء عامر والمخرج أحمد صقر. يروي العمل قصة جندي مصري، يعيش حالة نفسية سيئة، بعد أن يقتل الجيش الإسرائيلي جميع زملاء كتيبته خلال حرب 1967. لكنه سرعان ما يخرج من حالة الإحباط، ويشارك في حرب أكتوبر 1973. ثم يصعد السلم الاجتماعي والاقتصادي تدريجياً حتى يتبوأ مركزاً سياسياً مرموقاً، ويقيم استثمارات عدة في منطقة سيناء التي شارك في تحريرها، ودفن زملاءه فيها. وفيما تقض الذكريات الأليمة مضجعه، يكتشف أنه ما زال في الألفية الثالثة، يواجه العدو الإسرائيلي، لكن بشكل مختلف. ويشارك في بطولة العمل صلاح السعدني، وسوزان نجم الدين التي تحلّ ضيفة للمرة الأولى على الدراما المصرية.
اهتمام النقاد والصحافة بـ “نقطة نظام” يعود ببساطة إلى غياب هذه القضية عن الأعمال التلفزيونية، في وقت كانت فيه الدراما المصرية سباقة في سبعينيات القرن وثمانينياته في فتح هذا الملف. كانت البداية سينمائية من خلال أفلام الحرب التي دارت في معظمها حول فكرة واحدة، هي الهزيمة ثم عبور قناة السويس والانتصار... بعدها، رفع التلفزيون الراية في بداية الثمانينيات. لكن حكايات الجواسيس كانت تدغدغ مخيلة الكتاب في ذاك الوقت. هكذا، قدم عادل إمام ثم محمود عبد العزيز عملين ما زالا يحققان النجاح حتى اليوم، من خلال “دموع في عيون وقحة” لإمام، وسلسلة “رأفت الهجان” لعبد العزيز، كتبهما صالح مرسي وأخرجهما يحيى العلمي.
شجّع نجاح التجربتين المنتجين على خوضها من جديد، لكن المسلسلات التي ظهرت لاحقاً لم تحقق أي صدى يذكر. هكذا لم يحظ “ثعلب” نور الشريف و“حفار” مصطفى فهمي بالترحيب. وحالت كوميديا سعيد صالح وإسعاد يونس دون التعاطف مع “السقوط في بير سبع”، خصوصاً أنه كان المسلسل الوحيد عن جواسيس مصريين لصالح إسرائيل. أي أنه لم يقدم شخصية البطل المصري بل نقيضها. وعلى رغم أن اتفاقية “كامب دايفيد” بين مصر وإسرائيل العام 1979 لم تؤثر كثيراً في المشهد الدرامي، ألقت اتفاقية أوسلو في العام 1993 بظلالها على المسلسلات والأفلام العربية. وتراجع الاهتمام بهذا النوع من الدراما.
لكن السنوات الثلاث الماضية، أعادت باستحياء قضية الصراع إلى الشاشة. وإذا كان عادل إمام اهتم، سطحياً، بقضية التطبيع في فيلم “السفارة في العمارة”، لم ينجح نبيل فاروق في جذب الجمهور إلى مسلسل “العميل 1001”. أعدّ كاتب قصص الجيب الشهيرة نصاً تلفزيونياً عن شاب مصري، يعمل جاسوساً في إسرائيل. لكن المضمون لم يناقش القضية بعمق، وعوض أن يتابع الناس عملاً جدلياً، كانت المحصلة وجبة رمضانية خفيفة لا أكثر ولا أقلّ. ثم جاء مسلسل “أرض الرجال” للسعدني أيضاً، ليروي قصة شبكة جواسيس تحاول التوغل في حياة أسرة عائلة لواء جيش سابق، لاستقصاء المعلومات. لكن الاسلوب الخطابي المباشر الذي اعتمده المسلسل، منع الناس من متابعته. وها هو اليوم “نقطة نظام” يحاول طرح الأسئلة من جديد، ليفتح ملفاً، شغلت به الصحافة المصرية قبل عشر سنوات. إذ طالبت بالتحقيق في المذابح التي ارتكبتها إسرائيل ضدّ الجنود المصريين في سيناء عام 1967.
وعلى رغم أن المسلسل شهد عراقيل عدة، أبقته ممنوعاً من التنفيذ لخمس سنوات، يؤكد مؤلف النص محمد صفاء عامر أن تأجيل التصوير يعود إلى مشاكل إنتاجية بحتة. الا أن بعض العاملين في المسلسل، عزوا إيقافه إلى قرارات من جهات رسمية عليا. كيف لا، والسعدني سيطرح في العمل أسئلة عن وضع مصر بعدما أصبحت إسرائيل “صديقتها”، وعن الانحدار في المستوى الثقافي، وتدنّي المستوى المعيشي، وتلويث النيل، وفساد في أروقة المؤسسات الحكومية، وغيرها من المشاكل التي ترزح تحت نيرها “أم الدنيا”؟