خليل صويلح
بعدما اقتحم «تلفزيون الواقع» مساحات واسعة في حياة الناس، ألا تحتاج النصوص الدرامية التلفزيونية العربية اليوم، إلى نبش مناطق درامية أكثر مكاشفة، كي تواكب، على الأقل، جزءاً من الواقع العربي الذي ظل بمنأى عن اهتمامات هذه الدراما؟
يندر أن يتوغل النص الــــدرامي العربي في الحياة اليومـــــية. هناك على الدوام حكاية متخيلة بتضاريس مبرمجة سلفاً. قضايا فساد لا تتّهم جهة محددة، وحارات تخلو من مشاكلها الحقيقية. تتجوّل العدسة بعين مغمضة ورمد تاريخي، ما يجعل الصورة مغبّشة، لا تشتبك مع حرارة الواقع وعمق مشكلاته. إنما تكتفي بالنوم في أحضان الماضي، وفي قوالب معروفة. حتى أن المشاهد مهما كان كسولاً، يمكنه توقّع مجريات المشهد التالي. دراما تبيع الوهم والتسلية، طالما أنها تُفصّل على مقاس النجوم. هكذا تصعد إلهام شاهين من القاع وتتحول بعد الربع الأول من المسلسل إلى مليونيرة. وتقتحم يسرا مجتمع الطبقات العليا بصفقة غامضة. واللافت أنه في وقت ترزح فيه المرأة العربية تحت مشكلات اجتماعية، فإنها تنتصر في الدراما على مجتمع ذكوري بامتياز.
تبدو الورطة أكبر في الدراما السورية: مؤسسات حكومية غامضة، تُدار بين أروقتها قضايا فساد، تنتهي بتسجيلها ضد مجهول، وقصص حب في الحدائق العامة وأسوار الجامعة. لكن المؤلف يستعير القصة من مكان آخر، فهو لا يعرف ما يدور في جامعة اليوم، وليس لديه وقت لتشريح العلاقات الجديدة. من أبسط المشاهد المألوفة أن تترجّل شخصية ما، من سيارة أجرة، فتدفع مبلغاً وتمضي، من دون أن تنتظر بقية المبلغ. في المشهد الواقعي، غالباً ما ينتهي مـــــــشهد كهذا بمشكلة بين الاثنين. لكن الدراما تعبر هذه التفاصيل ببـــــــساطة تحسد عليها. قضايا الطلاق مثلاً تنتهي على سجادة عجمية برقّة شديدة. الذهاب إلى كافتيريا مع من تحب لا يربك الشخصية الدرامية ولا يحتاج إلى تفــــــقد محفظة نقودك. أمثلة كثيرة من هذا النوع، سوف تظل خارج اهتمامات الكتّاب التلفزيونيين. لا شك أن الرقابة العربية العتيدة، قلّمت أظافر الكتّاب، لكن ليس إلى درجة أن يحلّق هؤلاء فوق السحاب، فيما تغوص شوارع اليوم بقصص تبدو فانتازية حقاً!