رنا حايك
إذا كانت الصحافة «مدفعية تحرّكها أحقاد صغيرة» كما عرّفها بلزاك، جاء قصف مراسلة تلفزيون «المستقبل» مهى ضاهر عشوائياً في رسائلها التي وجّهتها أمس من طريق الجديدة. طبع التناقض رسائلها التي تأرجحت بين واقع ترصده الكاميرا ويستحيل تكذيبه، وبروباغندا تعكس ما تتمناه المراسلة. وبحسب إحدى رسائلها: «أعمال الشغب بدأت منذ الصباح في بيروت. جاءت عشرات الفانات محمّلة بشباب من الضاحية لبث الفوضى، لكن الحياة طبيعية في طريق الجديدة... وإرادة الحياة انتصرت!».
الكلام على حي بيروتي بهذا التركيز حتّى ليخال المشاهد غير المحلّي أنها ستالينغراد، تميّز بتكريس سافر للفئويّة والحساسيات المحلية لزواريب المدينة، وجاء مصحوباً بمصطلحات متحاملة على المتظاهرين. سمعنا مثلاً أن أهم «المعارك» وقعت في كورنيش المزرعة التي استفزت هدوءها «عصابات 8 آذار». إذ عمد «ملثمون إلى حرق دواليب والاعتداء على أهالي منطقة طريق الجديدة، ورمي أثاث من على سطوح البنايات لترهيب الأهالي الآمنين، فتصدى لهم شبان طريق الجديدة». وعلى رغم هذا الوصف لأعمال التعدي، كانت ضاهر تختم رسائلها بعبارة: «كل شيء طبيعي في طريق الجديدة». وصحبتها بالتأكيد على أن «المحال والمدارس مارست نشاطها بشكل اعتيادي».
بدت حماسة ضاهر أشبه بسلوك الجمهور المشارك في الحدث فابتعدت عن الموضوعية الإعلامية التي تميّزت بها رسائل كلارا جحا، زميلتها في «نيو. تي. في». وعلى رغم انتماء كلارا إلى محطة متعاطفة بشكل ما مع المعارضة، اتسم نقلها للأجواء بالموضوعية. كما أظهرت تحكّماً وضبطاً لأعصابها خلال تغطيتها، مبتسمة لحادث الاشتباك الذي وقع في الحازمية.
من الطبيعي أن يكون للصحافي، كأي مواطن، موقف مما يحدث. لكن الخلل في رسائل ضاهر سببه على الأرجح التفاوت بين الواقع و»المرتجى»، بين موضوعية الإعلامي وموقف المواطن. لكن يبدو أن وظيفة الإعلام (أو بعضه) تأجيج المشاعر الطائفية والانقسام المناطقي... في بلد يعيش على حافة الجرح، وفي قلب معركة تريد نفسها وطنيّة واجتماعيّة.