strong>حسين بن حمزة
لا أدري منذ متى بتُّ أشعر أني أمضي وقتاً طويلاً أمام الشاشة الصغيرة من دون أن أشاهد ما تعرضه المحطات. التلفزيون هو أول ما أشغله عند الاستيقاظ، وآخر ما أطفئه قبل الذهاب إلى النوم. أتناول قهوتي الصباحية برفقته، كذلك الغداء والعشاء إذا سمحت لي الظروف. ببساطة، أنا أعيش بصحبته تقريباً.
لكني اكتشفت منذ مدة، أني أمارس الـ«زابينغ» فقط، أي أتنقّل بين القنوات بالضغط على أزرار الريموت كونترول عوض مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج الحوارية... وجدت أن أغلب وقتي يضيع في الانتقال بين المحطات، وأني منذ مدة لم أحضر فيلماً من البداية حتى النهاية. الريموت كونترول، هذا الاختراع اللذيذ واللعين، يوفر لك، في اللحظة نفسها تقريباً، فرصة الاطّلاع على كل ما تعرضه القنوات. لماذا تؤجّل رغبتك في ممارسة هذا الحق؟ ولماذا لا تلعب دورك كمواطن «ما بعد حداثي» في هذه القرية الكونية؟
للريموت كونترول متعته وجاذبيته. حتى حين تنوي مسبقاً متابعة فيلم أو برنامج معين، وتعود في الوقت المحدد إلى المنزل لهذه الغاية، فإن ذلك لن يُنجيك من لعنة «الزابينغ». الأمر أشبه بأن تشعر بحكّة في مكان ما من جسمك، ولن يردعك شيء عن الحكّ. لذا، تجد نفسك مجبراً على مزج الفيلم الذي فضّلت أن تشاهده برأي أحد السياسيين في برنامج الـ«توك شو»، وبجزء من طبق يقدم وصفته طباخ مشهور، وبمشهد يستوقفك من «توم وجيري»، وبنكتة تحفظها عن ظهر قلب في مسرحية كوميدية معادة للمرة المئة... هكذا تكتشف أنك تناولت حساءً تلفزيونياً، لكن ليس من الصنف الذي تفضله.
أخيراً، عرفتُ أن قصتي مع التلفزيون ليست فريدة من نوعها، فهي شائعة بين معظم أصدقائي. الجميع مصابون، مثلي، بالـ«زابينغ» ويشكون منه. وحين يسأل أحدنا الآخر عن برنامج كان يُعرض أمس، يأتي الجواب موحّداً: لا لم أحضره، بل شاهدت جزءاً منه، إذ كنت «عم أقلّب محطات».