strong>عبد الغني طليس
إذا كان ضرورياً أن يعمد الفنان، بعد مرور سنوات على تجربته، الى مراجعة حساباته الفنية، وتقدير سيئاتها وحسناتها، ورسم خطوط للمستقبل، فإن عمرو دياب مدعوّ الى هذه المراجعة. فهو قد ينتقل قريباً الى شركة إنتاج جديدة، من المفترض أن يناقش معها ظروفه الإنتاجية السابقة، وردود الفعل الشعبية على ألبوماته الأخيرة التي تردّد أنها جاءت أقلّ قوة، وبالتالي أقلّ انتشاراً من سابقاتها...
لا يزال عمرو دياب من الأسماء الأولى في خريطة الغناء العربي اليوم. وهو بنى هذه المكانة انطلاقاً من 3 محاور: أولاً، نجوميته الواسعة في العالم العربي أجمع، وثانياً تصدّره الاستفتاءات في وسائل الإعلام، وثالثاً أجره الأعلى بين زملائه، في إحياء الحفلات الخاصة والعامة. أما القاعدة الأساسية التي يبني عليها دياب هذه المحاور فهي الأغاني الشبابية الجميلة، والكليبات المتقنة المتميزة بأفكارها العاطفية. وهو من خلالها، نجح في إبقاء صوته حاضراً بين أبناء جيله، ومتقدماً عليهم أيضاً.
ولكن هل استطاع دياب بهذه الأغاني والكليبات الكثيرة أن يطوّر نفسه؟... سؤال من الصعب أن يأتي الجواب عنه بالإيجاب.
لقد تمكّن هذا المغني، صاحب الروح الشبابية، أن يروّج لنمط من الأغاني العاطفية، خفيف وإيقاعي، يحمل سمات العصر. لكنه لم ينجح في تطوير هذا النمط، إن من ناحية النصوص أو الألحان أو حتى الأداء. كأنما استند الى ركيزة قوية، هي تجاوب الجمهور مع الموسيقى التي يقدمها، فاستلقى واستراح وأعفى نفسه من مسؤولية التغيير. وكانت النتيجة وقوعه في مطبّ التكرار: تكرار الكلمات والجمل الموسيقية والأداء، بل ـــ وهذا هو الأخطر ـــ تكرار الذهنية الإنتاجية.
قد يصعب أن تقع، في السنوات الخمس الأخيرة، على أغنية مختلفة عمّا ألفت الأذن سماعه من دياب. وبات نادراً أن يعرف الجمهور أغاني هذا الألبوم من أغاني أي ألبوم آخر قدمه في السنوات الأخيرة. أما بالنسبة إلى الكليبات، فهي لا تتوقّف عن استلهام بعضها بعضاً والاعتماد على روتينية قاتلة، صوتاً وصورة ومشهداً وإخراجاً وإنتاجاً وهلمّ جرّا... الى حدّ يمكن معه اعتبار كليب «حبيبي يا نور العين» الفتح الأول والأكبر في عالم الكليبات العربية جمالاً مشهدياً خلّاباً. ومن بعده، سارت كليبات عمرو دياب في خط تسلسلي نزولاً، كانت تخرقه من وقت الى آخر، في شكل خجول، محاولات جيدة، لم تبلغ جودة «حبيبي يا نور العين» ولم تستطع الوقوف الى جانبه. وبعدما كان عرض أي كليب لدياب يُعدّ حدثاً إعلامياً وفنياً يُحسب له حساب، باتت أغنياته المصورة عادية، لا تلفت انتباه سوى هواة هذا النوع من الموسيقى، لا أكثر ولا أقل...
كيف استطاع دياب إذاً المحافظة على وجوده الفني أولاً بين زملائه، على رغم الهنّات الواردة أعلاه؟.
الجواب ببساطة هو غياب البديل الجديد، الذي منحه فرصاً أكبر للاستمرار. وبما أن البديل لم يحضر، وقد لا يحضر، على رغم البرامج الفضائية التي تخرّج مواهب غير محضّرة جيداً، فإن دياب سيبقى في الصدارة، ومعه بعض زملائه الذين يقاسمونه خبز النجومية العربية وملحها.