حسين بن حمزة
في مجموعتها الشعرية التاسعة “في محاولة منّي” (دار نلسن)، تواصل الشاعرة اللبنانية صباح زوين مسعاها التجريبي على صعيد اللغة، فتمزج، كالعادة، بين حيرة وجودية وذاتية وبين جملة شعرية تنضوي تحت هذه الحيرة نفسها. وهو ما يتبدى منذ العنوان الذي يحمل معنى المحاولة والتجريب والطموح إلى فعل شيء ما.
الواقع أن هذا المعنى ليس جديداً في كتابة صباح زوين، بل سبق له أن تكرر في عناوين مجموعات سابقة لها، ومنها “بدءاً من أو ربما” (1987) و“لأني وكأني ولست” (2002)، حيث يمكن لمس المعنى الحائر في اختيار العناوين. هذه الحيرة لا تقف عند حدود العنوان، بل سرعان ما تتسلل إلى القصائد أيضاً. ولا يعرف القارئ ما إذا كان ذلك نوعاً من التقنية الأسلوبية أو أنه يعكس قلقاً حياتياً يصعب إبعاده عن عالم الكتابة أو يصعب على الكتابة أن تتحاشاه وتتجنبه.
هناك غربة ما في جملة صباح زوين، ولذلك تميل هذه الجملة إلى الإقامة في أرض الغياب والأسى والشجن الداخلي والعزلة. القارئ يجد إيحاءات وإيماءات أكثر من تسمية الأشياء بدقة. هناك دوماً نهايات مفتوحة تتلاءم مع حيرة الجملة الشعرية نفسها، وانهماكها ببناء القصيدة بنبرة خافتة تحاول أن تبدو محايدة بينما هي تحفر عميقاً في المعنى.
يمكن قراءة مجموعة صباح زوين على أنها قصيدة واحدة طويلة موزعة على مقاطع عديدة، حيث يستطيع القارئ أن يتتبع خيطاً سردياً واضحاً يظلل المقاطع ويوحّد مناخاتها وعوالمها.
القصائد يتكرر فيها ذكر لقطار وسفر ووصول لأمكنة ومغادرة أمكنة أخرى، وبينها مشاهدات سريعة، وأخرى تظل مرافقة للذات. هناك تكرار لكلمة “الوقت” الذي تفضل الشاعرة أن يكون “مائلاً” أو منحنياً: “كنت أريد أن أموت/ إلا أني ضحكت/ في زرقة السماء/ وفي الغرفة شققتُ الشباك الخشب شقاً صغيراً/ فبلغتني أصوات القطارات/ ونهار مائل/ وعلامات استفهام”. ثم يتتالى ذلك في مقاطع أخرى: “كل هذا يعود إلى وقت مائل” و“أما الوقت فكان قد بدأ يميل”.
معاني الميلان والانحناء تذكّر القارئ بـ “البيت المائل والوقت والجدران” (1995)، وهو عنوان مجموعة سابقة لصباح زوين، وفيها مشاغل مشابهة لما في مجموعتها الجديدة. “في محاولة مني” نص طويل بمقاطع قصيرة. والمقاطع توحي بانهماك شديد في اختزال اللغة والجملة الشعرية، وإشراك القارئ في معادلة العزلة والغياب والصمت. وهي المفردات التي إن لم يجدها القارئ واضحة داخل الكتاب، فإنه سيعثر على ظلال كثيرة لها.