الدوحة ـــ شيرين الفايدي
للعام الثامن على التوالي، احتضنت العاصمة القطرية مهرجان الدوحة للأغنية الذي تميّز بفخامة معهودة، ودعم رسمي عزله عن الجمهور. ولأن المنظمين أرادوه تظاهرة بالغة الأناقة، ارتأوا أن يبعدوه عن جمهور المدينة. لذا، خلت شوارع العاصمة من إعلانات تشير الى إقامة مهرجان غنائي. كما اقتصرت قاعة مسرح «الدفنة» حيث تقام الحفلات على 700 كرسي، فيما فاق عددها في السنوات الماضية الألف. وإن كان السبب الرئيسي لذلك هو الديكور الجديد الذي اصطفته إدارة المهرجان، فقد اشترى رجل الأعمال القطري حسين الفردان، أحد الرعاة الرسميين للحدث، ‏جميع بطاقات الدرجة الأولى. وقد خصصت هذه الفئة بطاولات، قدمت فيها مشروبات خفيفة.
قد يكون الإنجاز الأهم لمهرجان الدوحة الذي أسدل الستار على دورته الأخيرة قبل أيام، هو قدرته على الاستمرار، ومحافظته على المستوى الذي ميّز انطلاقته في السنوات الماضية. وهذا تحدّ لم تستطع المهرجانات الغنائية الكبرى أن تصمد أمامه طويلاً. كيف لا، وقد أصابت الشيخوخة المبكرة «ليالي دبي»، وتقرّر إلغاء حفلاته هذا العام بقرار رسمي، بسبب مشاكل إنتاجية؟ أضف إلى ذلك خفوت بريق مهرجانات أخرى مثل «هلا فبراير» الكويتي الذي ينطلق بعد أيام، وتعثّر خطوات مهرجان عريق مثل «جرش»، وسيطرة «روتانا» على مدرج «قرطاج». وسط كل ذلك، استطاع «الدوحة» أن يرسم له مكانة بارزة في خريطة المهرجانات العربية، ولعلّ استـــــــــــضافة أقطاب الأغنية العربية في دورة واحـــــــــدة، خير دليل على ذلك.
وعلى رغم أن المهرجان حافظ في شكل اساسي على طبيعته الاحتفالية والدعائية، فقد أخفق هذا العام في تطوير هذه الطبيعة وتفعيلها. لذا، قد تبدو مفارقة ألا تنجح هذه التظاهرة التي طالما جذبت عشرات الصحافيين العرب، في حشد عدد كبير من صنّاع الأغنية، وتقديم فرصة حقيقية لمناقشة شؤون الفن وشجونه. وألا يصبح هذا المحور همّاً رئيسياً في الندوات التي تعقد على هامش الأمسيات الطربية!
وهذا الأمر ليس صعباً بالنسبة إلى مدينة، أثبتت أنها عاصمة عربية شديدة الاختلاف‏: النظام هو صاحب الكلمة الأخيرة، والخدمات متوافرة للجميع. كما أن المسؤولين عن المهرجان أثبتوا قدرة كبيرة على حسن التنظيم والضيافة وتسهيل مهمة الصحافيين. هناك أيضاً حركة البناء التي تزدهر في شوارع الدوحة، والزخم الفني ‏والثقافي والرياضي الذي تعيشه: مهرجانا الغناء والثقافة، استضافة دورة الأسياد لللألعاب الأولمبية، ثم افتتاح مؤتمر عن أمن المعلومات ومواقع الانترنت، وأخيراً دورة كأس الخليج الثامنة عشرة التي انطلقت في 17 كانون الثاني (يناير) الجاري... كل هذا يسهم في جذب الأضواء إلى قطر التي تميزت بكونها بلد التغيرات السريعة‏. وهذا ما قد يجعل من مهرجانها الغنائي سيداً على المهرجانات العربية ـــ كما يحلو لمسؤوله الإعلامي تيسير عبد الله تسميته ـــ إذا قرر مناقشة قضايا الفن بعمق.