فؤاد التكرلي آخر الرموز الأحياء في جيل الخمسينيات، جيل الريادة الحقيقية في القصة العراقية، بعد رحيل ممثليه الاساسيين ومنهم غائب طعمة فرمان (1927 ــ 1990) وعبد الملك نوري (1921 ــ 1998) ومهدي عيسى الصقر (1927 ــ 2006). سعى أبناء ذاك الجيل، بمعزل عن أصولهم وانتماءاتهم، وعلى اختلاف ميولهم الفكرية والسياسية، إلى أن يؤسسوا لشكل جديد من النثر العراقي، يوازي ما صنعه مجايلوهم في الرسم والنحت والشعر. بدأوا كتابة القصة القصيرة، وعدّت أعمالهم تجاوزاً نوعياً للتجارب التي قدمها الجيل الذي سبقهم مثل محمود احمد السيد وعبد الحق فاضل وذنون أيوب. كانت قصصهم الموجزة، والمكتوبة بلغة تجمع بين العامية والفصحى، تستفيد من الأشكال الفنية المعاصرة للسرد وتبتعد عن الخطابة والفجاجة. كانت تحاول أيضاً أن تعبّر عن هموم الانسان العادي، عن مجتمع مديني يتأسس ومظاهر حياة يعاد تشكيلها.في الستينيات، انتقل فرمان الذي عاش في موسكو حتى وفاته الى مستوى تعبيري آخر. إذ اصدر روايته “النخلة والجيران” (1966) التي اعتُبرت التجربة الروائية الاكثر نضجاً يومذاك، وحدّاً فاصلاً بين مرحلتين. فيما اعتبرت “الرجع البعيد” التي نشرها التكرلي عام 1980، اضافةً نوعيةً في السياق السردي العراقي. وتجاوزت تجارب أخرى نُشرت في السبعينيات والثمانينيات لكتاب أصغر سناً مثل فاضل العزاوي، وعبد الرحمن مجيد الربيعي وعبد الخالق الركابي.
الرواية التي نشرت في بيروت عدّ صدورها موقفاً جريئاً لكاتبها، إذ تحدّى قرار حكومة بلاده بعد حظر نشرها في العراق، لأنها تتناول جوانب من تجربة البعث الأولى في الحكم عام 1963... مثلما أنّها عزّزت من موقع كاتبها انسانياً وفنياً.