حيثما يكون زياد، يكون “الرحابنة” أيضاً. هناك دائماً عند زياد شيء من الرحابنة. شيء أساسي يرافقه في مشروعه البديل القائم على تجاوز الصورة المجردة الطوباوية الى أقصى الحدود. وقفت فيروز صلة وصل غريبة بين زمنين وعالمين: الأول عالم الرحابنة الغيبي والشاعري والثاني عالم زياد الواقعي والفج والعبثي الساخر من كل شيء. ذا الفنان المشاكس والانقلابي نقل فيروز ــ الرمز الوطني الذي يلتقي عنده كل اللبنانيين ــ من لغة الى أخرى، من صورة الى صورة مناقضة، أنزلها من برجها العاجي الى لغة الشارع فوُلدت على يده من جديد.
التعاون الأول بينهما كان في أغنية “حبو بعضن” حيث تجلّت موهبة زياد في التوزيع الموسيقي الأوركسترالي. وكان ينبغي الانتظار حتى عام 1979، لنشهد صدور أول ألبوم بعنوان “وحدن”. ثم شكلت “معرفتي فيك” نقلة نوعية. إذ راحت فيروز تدندن على إيقاعات البوسانوفا والجاز، الى جانب اللون الكــــــردي في “عودك رنان” التي أصبحت جزءاً من الفولكلور اللبناني. وفي النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، أعاد الابن توزيع مجموعة من كلاسيكيات “الأخوين رحباني”، مثل “نحنا والقمر جيران” و“هيلا يا واسع” و“نسّم علينا الهوا” التي صدرت في أسطوانة بعنوان “فيروز في الرويال فستيفال هول ـ لندن 1986”.
وتُعدّ “كيفك انت” (1991) محطة أساسية في هذا التعاون. كما كان عام 1995 ذروة في مشروع فيروز وزياد. إذ شهد إعادة توزيع مجموعة أساسية من تراثها الغنائي، ووجدت أسطوانة “الى عاصي” طريقها الى الجيل الجديد، ثم تلتها “مش كاين هيك تكون” (1999)، و“بيت الدين 2000”، و“ولا كيف” (2001)...