strong>مهى زراقطخاضت الأكثرية حرباً شرسة على المعارضة من خلال الشاشة الصغيرة. وحاولت أن تربح في الإعلام، ما خسرته على أرض الحدث... فهل نجحت في استعادة زمام المبادرة؟ الحيلة سلاح فاعل في لعبة الصورة

هل سيتوقف عرض مسلسل “غنوجة بيّا”؟ سؤال طرحته سوما، الخادمة السيرلانكية أمس عندما رأت الأعلام اللبنانية تحتل الشاشات مجدداً. وحين جاءتها الإجابة أن ذلك ليس مؤكداً (لأنه يعرض على LBC، ولأن المحطة المذكورة غير معنية هذه المرة بالنقل المباشر للاعتصام المفتوح)، لم تفهم السبب... لكنها أبدت سعادتها بلا شك.
غير أن ملاحظة سوما التلفزيونية، يمكنها أن تكون منطلقاً لاختبار إعلامي: فلنفترض أننا مثل “سوما”، لا نتقن اللغة العربية، ولا نحسن تفريق شعارات المحطات التلفزيونية، وأننا جالسون عند الساعة الثالثة بعد الظهر أمام محطات التلفزيون... كيف يمكننا تمييزها؟ في هذا الوقت، تبث الشاشات عادةً الصور الآتية: حشود المتظاهرين، أعلام لبنانية... وفتحت بعض المحطات أكثر من شباك: صورة لمراسل من أرض الحدث، لقطات مختلفة للمتظاهرين من أكثر من زاوية، ومشاهد حية للطرقات المؤدية إلى التظاهرات...
إذاً، كيف يمكن تمييز هذه المحطات بعضها عن البعض الآخر؟
تمكن الإجابة بأن الصور التي تظهر الكثير من الحشود هي للمعارضة... لكن الشاشات كلها كانت تنقل صورة الحشد الكبير معترفة به. يمكن القول إن التي تنقل الصورة من أكثر من زاوية هي للمعارضة. لكن بعض المحطات المعروفة بمحاباتها الحكومة اللبنانية (“العربية” مثلاً) كانت تنـقل الصورة من أكثر من زاوية.
كيف السبيل إلى التمييز إذاً، إذا كنّا لا نسمع ولا نقرأ؟ وعلى فرضية أننا لا نعرف المراسلين، ولم نتآلف مع المحطات، كلاً على حدة؟ لن نستطيع تحديد سياسة المحطات التلفزيونية التي نقلت جميعها الحدث كما هو. وقد نصل الى خلاصة مفادها أن الموضوعية كانت السمة التي ميّزت الجميع... وأن الصحافيين نقلوا الحدث بأمانة وصدقية بعيداً عن التسييس.
لنبقَ في الاختبار نفسه، بعد أن نضيف إليه فرضية أخرى: صودف أنه يوم أمس فقدت سوما (أي نحن) الروزنامة. أي بتنا لا نعرف التاريخ: قد يكون 1 كانون الأول ـ ديسمبر 2006 أو 8 آذار ـ مارس 2005، أو 14 آذار ـ مارس 2005، أو غيرها...
ما الفرق بين الشاشات؟ أيّها المعارض؟ وأيّها الموالي؟
لا بد من الاعتراف بصعوبة اكتشاف الفروق. وقد يحتاج هذا الاختبار فعلاً إلى تطبيق، لأنه بالتأكيد سيخرج بنتائج مفيدة جداً لخبراء الإعلام... لولا أمر واحد فقط، صورة واحدة فقط: ساحة الشهداء الخالية.
هذه الصورة شكّلت الخلفية التي اختارها مراسل “ال. بي. سي” يزبك وهبة لإطلالته في نشرة الثالثة، وأحد الشبابيك التي بثتها “المستقبل” خلال كامل تغطيتها المباشرة لافتتاح الاعتصام.
تعرف المؤسستان، أكثر من غيرهما، رمزية هذه الساحة، لا لأنها تحتضن ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو خيمة الحرية. هذه حجة يمكن أن تقال لقيادة الجيش ليتم حماية الساحة، ومنع دخول المشاغبين إلى المكان. لكنها في المشهد الإعلامي تتخذ أكثر من معنى... بل يمكن القول إن اختيارها خلفيةً لإطلالة المراسل، فيها الكثير الكثير من الذكاء الإعلامي في الردّ على المعارضة. فالأخيرة كانت تطمع في احتلال الساحتين: رياض الصلح وساحة الشهداء، لتوصل رسالة قوية: 8 و14 آذار اتّحدا. الساحة التي أعلنت “انتفاضة الاستقلال” والساحة التي شكرت سوريا أصبحتا ساحة واحدة تطالبان بإسقاط حكومة فؤاد السنيورة.
لم تبن المعارضة استراتيجيتها من فراغ. للمكان رمزيته في التأسيس لشيء جديد في وجدان المواطنين. احتلال الساحتين يعني “الوحدة الوطنية”، الشعار الذي ترفعه المعارضة عنواناً لتحركها. احتلال ساحة الشهداء بالذات يمكنه أن يعزز هذا العنوان في ظل حرب إعلامية تقوم على اعتبار “التيار الوطني الحر” خارجاً على ساحة الشهداء (وعليه أن يبقى خارجها)، وملحقاً بساحة رياض الصلح. وهذا ما أرادت هذه الصورة قوله.
المعارضة ربحت أمس في لعبة العدد، والانضباط، والشعارات الموحدة... فهل سجلت الأكثرية هدفاً ضدّها؟ في خضم الكلام الكثير... صورة واحدة تكفي