مراكش - ياسين عدنان
هذه المرّة أيضاً، لم يُستقبل “"المهرجان الدولي للفيلم" في مراكش بالورود! المدينة الحمراء التي سبق للممثل حسين فهمي أن وصفها بأنها مجرد قرية، افتتحت مساء الخميس الماضي الدورة السادسة من موعدها العالمي مع الفن السابع، على إيقاع هجوم مصري جديد، بقيادة... عزت أبو عوف، مدير الدورة الحالية لـ “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي”. أعلن هذا الاخير ــ معبّراً عن غضبه من تضارب المواعيد بين المهرجانين ــ أن مراكش لا يمكن أن تنافس القاهرة. لماذا؟ لأن “المغرب ينتج فيلمين أو ثلاثة في السنة، فيما تتمتع مصر بصناعة سينمائية حقيقية”. الواقع طبعاً أن انتاج السينما المغربية بلغ 15 فيلماً روائياً طويلاً في السنة. كما أنتجَ هذه السنة وحدها أكثر من 80 فيلماً قصيراً. هذا عدا الأفلام الهوليودية والأوروبية الكبرى التي تُنتج وتصوّر في منطقتي ورزازات ومراكش. ومهرجان مراكش الذي سرق الأضواء من مهرجان القاهرة، يراهن على تلك الدينامية.
المهرجان الذي يستمر حتى التاسع من الشهر الجاري، افتُتح برائعة مارتن سكورسيزي الجديدة “المغادر”، من بطولة براد بيت وجاك نيكلسون، إضافة الى مارتن شين والممثلة فيرا فارميكا اللذين حضرا لتقديم الفيلمـ وقد تزامن عرضه في افتتاح مهرجان مراكش مع اطلاقه رسميّاً على الشاشات الأوروبية. و أشرف سكورسيزي هذا العام على اختيار الأفلام العشرين التي تُعرض ضمن تظاهرة خاصة بالسينما الإيطالية. ويوضح سكورسيزي الايطالي الأصل: “إنني تلميذ السينما الإيطالية التي اعتبرها جزءاً من حياتي”. هكذا سيعيد جمهور مراكش اكتشاف تحف مثل “روما مدينة مفتوحة” (روسيليني)، “سارق الدراجات” (فيتوريو دي سيكا)، “لا سترادا” و“لا دولتشي فيتا” (فيلليني)، “أكاتون” و“ديكامرون” (بازوليني)، “الحياة حلوة” (روبيرتو بينيني)...
لجنة تحكيم هذه الدورة التي يرأسها السينمائي البولوني رومان بولانسكي، وتضم النجم المغربي ــ الفرنسي جمال الدبوز، المخرج المصري يسري نصر الله، الممثلات ساندرين بونير (فرنسا)، ماريا ميديريوس (البرتغال)، لوديفين سانييه (فرنسا)، باز فيغا (إسبانيا)، والممثل الأسترالي دافيد وينهام، إضافة إلى المخرج الهندي مالين بان. وكرّم في الافتتاح عدد من الممثلين منهم المغربي محمد مجد الذي يُعد بين أهم وجوه السينما المغربية، بعدما تألق مع نبيل عيوش في “علي زاوا”، وفوزي بنسعيدي في “ألف شهر”، وإسماعيل فروخي في “السفر الكبير”. أما التكريم الثاني فخُصص للمخرج المصري الرائد توفيق صالح الذي وصفه يسري نصر الله بأنه «شفاف وصلب بسّ مُش جامد”.
والتكريم الأكثر حرارة كان ذاك الذي ارتجله جمال الدبوز عضو لجنة التحكيم. فعندما كان جمال يغادر الخشبة برفقة المخرج بولانسكي، لمح الفكاهي المغربي القديم عبد الرؤوف في القاعة. وعبد الرؤوف هو أهم شخصية فكاهية عرفها مغرب الستينيات والسبعينيات. فجأة عاد جمال إلى الميكروفون: “أريد أن أقول للفنان عبد الرؤوف إنني أحبك”. وراح ينشد أهجوزة مغربية تُردد في مناسبات التكريم، فلحق به الجمهور. عندها، وقف عبد الرؤوف الذي كان جالساً وسط الجمهور وضجت القاعة بتصفيق حار. يشار إلى أن جمال الدبوز سيحضر في المهرجان من خلال فيلمه الجديد “االبلديون” (اخراج رشيد بوشارب) الذي أنتجه بنفسه، وشارك في بطولته (راجع “الأخبار”، 13 ت2). وليلة الافتتاح، نظم الفنان المغربي أحمد السنوسي المشهور بـ “بزيز” وقفة احتجاجية أمام مدخل قصر المؤتمرات في مراكش. وطالب برفع الحصار الذي ضربه التلفزيون المغربي على أعماله منذ عشر سنوات.
أما الأعمال التي تتنافس على نجمة مراكش الذهبية، فاختيرت من آفاق مختلفة. 15 فيلماً جديداً من 14 بلداً، من ألمانيا إلى إيران، ومن ماليزيا إلى البرازيل. وسيكون المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي يشارك في المسابقة الرسمية عبر فيلمي “انهض يا مغرب” لنرجس النجار و“يا له من عالم جميل” لفوزي بنسعيدي (راجع الكادر أدناه).
وتستضيف مراكش هذا الموسم، السينما الهندية التي تحضر بكثافة في البرنامج، ضمن تظاهرة مستقلة بعنوان “تاج محل”. تكرّم الدورة نجمين هنديين كبيرين هما كاجول موخريجي وزوجها دبفكان. وسينما المؤلف حاضرة أيضاً، من خلال ثلاثية “النار” و“الأرض” و“الماء” للمخرجة المستقلة ديبا مهطا.
وكرمت النجمة الأميركية سوزان ساراندون التي اشتهرت بأدوار المرأة المتحررة. كما تميّزت بمواقفها الرافضة لسياسة بوش الخارجية. هذه الممثلة التي تتعامل بشيء من الغرابة مع الجوائز التي تفوز بها، إذ وضعت جائزة “الأوسكار” في حمّامها!
ونصل أخيراً إلى السينما الفرنسية، تلك المدرسة التي تأثر بها المخرجون المغاربة قبل أن يتمردوا عليها ويحلقوا بأجنحتهم الخاصة بعيداً عن أجوائها. فكما كان افتتاح "المهرجان الدولي للفيلم" في مراكش أميركياً، سيكون الاختتام فرنسياً مع فيلم باتريس لوكونت “أعز صديق”. لوكونت بدا سعيداً لأنه سيقدم العرض العالمي الأول لفيلمه الجديد في مراكش. هكذا، ما زالت مراكش تحفظ الود لباريس، على رغم أنها غيرت وجهتها واختياراتها بعيداً عن الحضن الفرنكوفوني الذي انطلقت منه أول مرة.