strong>مهى زراقط
تعرّض عدد من المصورين، أول من أمس، إلى حوادث اعتداء كُسر خلالها بعض معدّاتهم، كما انهالت الشتائم والإهانات على عدد آخر منهم... ليست هذه المرّة الأولى التي يدفع فيها الإعلاميون الثمن، فهل تكون الأخيرة؟

«مثل العادة»، هكذا يبدأ المصوّرون الصحافيون روايتهم عن الاعتداءات التي تعرضوا لها خلال تغطيتهم الإشكال الأمني الذي وقع مساء أول من أمس في منطقة قصقص، وتوسّع ليشمل مناطق أخرى في العاصمة (الطريق الجديدة، مستديرة شاتيلا...). لكن خلال سردهم ما حصل، يصل هؤلاء المصورون إلى ما هو خلاف للعادة. يصلون إلى رواية ما يجعلهم يجمعون على خوفهم من ممارسة عملهم يوماً إضافياً...
بلسان المستسلم لمصاعب مهنته، يقول كل منهم إنه «اعتاد» التعرّض للاعتداء والضرب وتكسير الكاميرات. ويعزو ذلك إما إلى رفض المواطنين مبدأ التقاط صورة معينة، وإما احتجاجاً على سياسة المؤسسة التي يعمل المصوّر لصالحها.
لكن الجديد في أزمة الأيام الأخيرة، تمثّل في السؤال عن المذهب الديني الذي ينتمي إليه المصوّر... يروي الزميل الذي أخذته الظروف إلى قصقص، أن أحد الشباب المشاركين في أعمال الشغب، سحب محفظته من جيبه عنوة للتأكد من مذهبه، قبل أن يُترك وشأنه. «وجدت نفسي مجبراً على الدفاع عن نفسي، بإعلان انتمائي الطائفي. صرخت بصوت عال أنا (المذهب) من (مكان الولادة)، كنت خائفاً على نفسي وعلى كاميرتي، فاستغلوا إمساكي بالكاميرا ليأخذوا محفظتي من جيبي ويتأكدوا» يقول الزميل المشار اليه.
مصور آخر وجد نفسه وحيداً بين مجموعة من عشرة شبان. سألوه عن اسم المؤسسة التي يعمل فيها فخاف من ذكرها لأن خطها السياسي الواضح مخالف لخط الشباب الذين «حاصروه». قال إنه مصوّر حر يبيع الصور إلى الوكالات الأجنبية، فطلبوا منه بطاقة تثبت مهنته: «أعطيتهم بطاقة نقابة المصورين، لأنه من الغباوة محاججة هذا النوع من الشبان الذين يحملون عصياً. لكن البطاقة لم تكفهم فطلبوا هويتي، وراحوا يتساءلون عن القضاء الذي يتبع له مكان ولادتي .. خفت أن يعرفوه فقلت لهم إني لم أعد راغباً في التصوير، وبالفعل عدت إلى جريدتي من دون صورة واحدة». ونحن إذ نتفادى في هذا السياق، ذكر اسم كلّ من المصورين، فإننا نفعل لعدم الرغبة في الإعلان عن مذهبيهما ... مع ما قد يستتبعه ذلك من محاولات تسييس. وهذا نوع من رقابة ذاتية يمكنه أن يدل أيضاً على أن المشكلة تشمل جميع العاملين في مجال الإعلام.
ولا تقتصر معاناة المصورين الصحافيين في لبنان، للأسف، على هاتين الحادثتين. نحن أمام مؤشرات فقط: كل ما حصل يمكنه أن يبقى «مقــــــــــبولاً»، فــــــــي ظل الاحتمالات الأخرى الـــــــــتي تنذر بها أجواء الاحتقان في لبنان. وليس ما تعرض له، في الليلة نفسها، إبراهيم الطويل («النهار»)، وسعيد بيتموني (“أل. بي. سي”)، وعلي علوش («السفير»)، إلا صافرة الإنذار. الحادثة يرويها للـ«الأخبار» هؤلاء الزملاء الثلاثة الذين دخلوا متكاتفين الى موقع الحدث، بغض النظر عن الاختلافات السياسية بين المؤسسات التي يعملون فيها...
يروي بيــــــــــــتموني: «كنت في المنطـــــــــــقة التي وقع فيها الإشكال منذ البداية، التقطت صوراً ووقفت قرب تعاونية صبرا، وهناك التقـــــــيت زميلي علي علوش. وصل الخبر أن المشكل ســــــــــيتصاعد مع وصول المزيد من الشــــــــــبان، شاهدنا حركة في اتجاه حي فـــــــرحات. اقترح علي أن نذهب لنصوّر هناك. في الطريق، التقينا الزميل ابراهيم الطويل، وأقــــــــــــنعناه بأن يأتي معنا، فتحمس للفكرة. (أي إننا نحن من افترى عليه!). وصلنا إلى مكان بدأ فيه إطلاق الرصاص. تحمّس ابراهيم ورفع كاميرته فجاءته الضربة».
يقول ابراهيم الذي خرج أمس من مستشفى المقاصد بعد معالجته: “بمجرد أن أمسكت الكاميرا تعرّضت للضرب، “وسال الدم من منخري”. أما الضربة الثانية فأسقطتني أرضاً، وكسرت الكاميرا”.
كاميرا علي علوش كُسرت أيضاً: «في البداية سألنا الشباب مع من تعملون؟ فأجبنا. بعد قليل حصل إطلاق نار، فجن جنون هؤلاء، ولم يكن بينهم أي شخص مسؤول يمكننا التحدّث إليه... فأنصبّ غضبهم علينا». يشعر علي بالأسف لما حصل: «أكثر من أسف. أنا حزين لأن هؤلاء الشباب هم أهلي، وما يجري عليهم يجري عليّ. أنا خائف على لبنان مما هم خائفون عليه. لماذا يحصل هذا لنا؟”.
أما بيتموني فيعتقد أن السبب هو الخوف من الصورة التي ستكشف الحقيقة وتوصل الخبر، علماً أن «من يخجل أو يخاف مما ستنقله الصورة عنه، عليه بكل بساطة ألّا يقوم بما يقوم به».
من جهة أخرى، يوضح المصورون أنهم لا يمثلون سياسات المحطات التي يعملون فيها. يقول بيتموني: «في الرمل العالي هجم الأهالي عليّ لأنني من «أل بي سي»، فكان مصوّر المنار مَن حماني. لا خلافات بيننا. نحن موظفون ونقوم بعملنا».
والمؤكد أن هذا النوع من الحوادث، إن أدّى إلى شيء، فإلى خوف هؤلاء الإعلاميين من ممارسة عملهم: “خفت اليوم (أمس) من التصوير في الشياح، فاتصلت بمسؤول في “حركة أمل” ليرافقني إلى المكان. وعندما نزلت، أبقيت كاميرتي في السيارة. أُفضّل ربما أن أنسخ شريط الفيلم عن تلفزيون آخر!”. الخلاصة (المهنية) في ظل هذا الوضع، تأتي على لسان ابراهيم: “من يأتِ بصورة بعد اليوم فهو بطل”.
ولأن الأبطال نادرون عموماً، فإن الجمهور ــ أياً كانت قناعاته ــ هو الذي سيدفع الثمن في النهاية. فهل نفهم أن المطلوب هو عدم وصول الصورة؟ سؤال برسم الجميع... ما دام الجميع يطالب بالحرية.