رنا حايك
“العلم في الصغر كالنقش في الحجر”، لذلك اختار “مركز الديموقراطية المستدامة” اللجوء إلى أسلوب ترفيهي لتلقين الأطفال (من سن الثانية عشرة وما فوق) قيم الديموقراطية والشفافية وأنتج لعبة اسمها “الفساد” عام 2002 تم تطويرها عام 2003 ويعتمدها المركز حالياً أداة أساسية في ورشات تدريب على الديموقراطية. “الفساد” أنتجت بدعم من وكالة التنمية الأميركية التي تسعى لتسويق نموذج الديموقراطية الأميركية في المنطقة، لكن ذلك لا ينفي البعدين الترفيهي والتعليمي للعبة.
يتواجه فريقان يتباريان على إنهاء بناء قرية نموذجية، فيها مجلس بلدي ومَرافق عامة تحميها من الكوارث الطبيعية. إلا أن السرعة في بناء القرية ليست المعيار الوحيد للربح. فالعقبات التي تواجه اللاعبين كثيرة، منها ما يمكن إدراجه تحت بند “أمر واقع” كالكوارث الطبيعية (احتراق غابة مثلاً)، ومنها ما ينتج من الفساد ومن عدم إدراك المواطنين لما قد ينتج من بعض الممارسات كتلوث النهر بسبب رمي نفايات قربه. في لعبة “الفساد” لا تُترك المشاكل بدون معالجات، بل يواجه أعضاء المجالس البلدية العقبات المذكورة سابقاً، ويتصدون لها بفرض الضرائب والغرامات على المواطنين، وتقوم هذه المجالس بمسؤولياتها كاملة في محاربة الفساد في الممارسة الإدارية والمالية، هكذا يتعلم الطفل من خلال اللعبة، أن القانون يسري على الجميع.
يرمي أعضاء أحد الفريقين النرد، يربحون أسماكاً من النهر، ثم يرمونها فيه مجدداً ثمناً للمباني التي يشترونها، وقد يربح الاعبون الأسماك مجدداً إذا أحسنوا اختيار الإجابة الصحيحة في فئة “سؤال وجواب” التي تدور جميع أسئلتها في فلك حقوق المواطنة (ومن الأسئلة: هل يصبح المرء مواطناً ابتداء من عمر 12 سنة أو 18 سنة أو منذ الولادة؟)، وثمة أسئلة عن مبادئ المساواة (منها: من يملك الحق بالترشح لينتخب نائباً في البرلمان؟ أي مواطن رجل أم امرأة، أم الثري أم العالم السياسي) وفي اللعبة أسئلة عن الشفافية (هل يمكن سجن نائب البرلمان المذنب؟).
تعمد اللعبة إلى تهنئة المواطن الصالح بمنحه “هبات”، وتعاقب “الفاسد” بتغريمه بطاقات “سجل فساد” يحاسبه عليها المفتش. لكن المشكلة أن الهبة والفساد مرهونان بالصدَف. فالنرد هو الذي يحدد وصول اللاعب إلى إحدى الخانات التي تفترض وجود نوع من الفساد، مثل ضبط أحد أعضاء المجلس البلدي يسرق من أموال البلدية لبناء منزله. تخلّ قاعدة الصدفة التي تعتمد عليها اللعبة بالنظام العادل الذي تحاول ترسيخه في أذهان اللاعبين. فهي تنجح في الترويج لمجتمع يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ويشعر المواطن فيه بالأمان إذا أدى كل الواجبات المفروضة عليه، بينما ترهن معاقبته أو تهنئته برمية النرد.
إلا أن أهمية اللعبة تطغى على هذه التفاصيل. فهي تروّج لقيم الديموقراطية وتلقّن الطفل مقوماتها في قالب ترفيهي، وهو ما يتّسق مع أجندة مركز الديموقراطية المستدامة التي تهدف إلى “تعزيز الحوار واحترام التعددية وزيادة الوعي السياسي”. وكالعادة، تغيب أية إشارة عن دعم وزارة الثقافة للمشاريع من هذا النوع، ويظهر ختم المؤسسات الأميركية التي تعمل جاهدة لتعليم أطفال العالم الثالث “قيم الديموقراطية”، فاللعبة تم إنتاجها بدعم من وكالة التنمية الأميركية.