كان ذلك ذات مساء من خريف 2004 في بيروت، خلال معرض صور لجيلبير الحاج استضافه مركز SD، في مناسبة افتتاح المركز الاقليمي لمؤسسة “هينريش بُل” الالمانية. فكّرت مديرة المكتب آنذاك كيرستن ماس، التي تستعد هذه الأيّام لمغادرة بيروت إلى برلين، تاركة منصبها لزميلتها ليلى الزبيدي، أن تطلب من الشاعر عبّاس بيضون تقديم قراءة لبورتريهات هذا الفنان، الخاصة جداً، وكانت قد عرضت تحت عنوان “الآن وهنا” في بيروت، ثم في برلين.هكذا فاجأ بيضون الجمهور بـ “دردشة” مع صور الحاج، راصداً المسافة الشاسعة (والواهية في آن)، بين الوهم (الإيديولوجي أحياناً) والواقع السافر، بفجاجته وحيويته التي تستعصي على كل القوالب. واستسلم في مداخلته لشتى أنواع الاستطرادات الفـــلسفية والــــقراءات التفــــكـــيكية والــــتأملات الشعرية.
“هل يمكن أن تربح فكرة مجرّدة، أو صورة مصطنعة، على الواقع؟”، سأل بيضون معتبراً أن ما قدمه جيلبير الحاج في المعرض “ليس شيئاً سوى صور صافية. إنها لغة الآلة وفكرتها عن الشيء. بل هي صورتنا حين لا نكون سوى صورة، إنها مطابقة وليست مطــابقة. لا تتطلع الى أي شـــيء سوى نفسها وسوى المكان الذي خرجت منه إلى عين الكاميرا (...) ربما يريد جــــيلبير الحاج أن يكلمنا (...) عن صورتنا الافتراضية. عن صورتنا الصافية والكاملة التي لا تلبسنا تماماً إلا في غيابنا...”.