strong>مهى زراقط
أطلقت فرنسا مساء أمس قناتها الإخبارية الدولية “فرانس 24” في احتفال كبير أقيم في ساحة الكونكورد في باريس. تطمح القناة إلى مقاربة قضايا العالم من وجهة نظر فرنسية “حيادية”، فهل تنجح في ذلك؟

“ما وراء الخبر” هو عنوان الحملة الإعلانية للقناة الإخبارية الفرنسية الدولية “فرانس 24” التي أطلقت أمس في باريس. الملصقات التي أعدّتها القناة لحملتها الإعلانية، تحيل على “ما وراء الخبر” في دارفور وإيران وكوريا الشمالية... ولبنان. تعكس هذه الملصقات رغبة القناة في فرض “أجندة” إخبارية عالمية، مختلفة عن “الأجندة” التي فرضتها لسنوات طويلة كل من “سي. إن. إن” و“بي. بي. سي”. هذا على الأقل ما يمكن افتراضه بعد أسابيع قليلة من دخول “الجزيرة إنترناشيونال” الفضاء الإعلامي الدولي، ونجاحها في تقديم خبر وصورة مختلفين عن السائد دولياً. أي بعدما صار ممكناً لمتابع خبر عن السودان ألا يرى صور الجوعى والمشردين من الأفارقة فحسب، بل أن يطّلع على مظاهر أخرى للحياة هناك، كما كتب الخبير الإعلامي الفرنسي دانييل شنايدرمان في صحيفة “ليبيراسيون” الباريسية، الأسبوع الماضي.
ولا ينفي مدير تحرير “فرانس 24” غريغوار دونيو الرغبة في تقديم نظرة مختلفة إلى قضايا العالم، بما فيها قضايا الشرق الأوسط، لكن ليس على طريقة “الجزيرة الدولية” التي “تدافع عن نظرة الشرق الأوسط تجاه العالم... من جانبنا، لا نمتنع عن الخوض في الجدال، لكننا لا نريد أن يكون إعلامنا أحادي التوجه”، موضحاً أن “للشبكة الجديدة مقاربة أكثر حياداً حيال دول الجنوب، مقارنة مع الشبكات الإخبارية الدولية الأخرى”.
ليست مقاربة قضايا دول الجنوب هي هاجس “France 24” الوحيد بالطبع. إذ يكمن دور المحطة السياسي في إعادة فرنسا إلى الساحة الدولية، وهو ما لا يخفيه القيّمون على الشبكة الذين أعلنوا الرغبة في نقل “النظرة الفرنسية الخاصة” إلى القضايا المطروحة دولياً، والترويج للقيم الفرنسية في العالم.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، عمل الفرنسيون منذ عام 1987 على التخطيط لقناة تلفزيونية دولية بناءً على اقتراح من جاك شيراك الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك. لكن الفكرة لم تتبلور إلا خلال حرب الخليج، والتغطية اللافتة التي قدمتها CNN لهذه الحرب. عندها، بدأ التخطيط لإنشاء قناة إخبارية فرنسية دولية. ونشأت في إطار التحضيرات عدد من المحطات مثل TV5 و“راديو فرنسا الدولي” و“قناة فرنسا الدولية”... وفي عام 1996، وصل عدد التقارير عن القناة الإخبارية المنتظرة إلى 19، لكن أياً منها لم يبصر النور. وفي شباط 2002، أعاد جاك شيراك طرح هذه الفكرة، وكان واضحاً في الإعراب عن رغبته في إنشاء قناة تنافس محطّتي CNN وBBC. لكن هذه المنافسة تبدو صعبة التحقيق في ضوء الفارق الكبير بين موازنة “فرانس 24” التي تصل إلى 87 مليون يورو، وموازنة «سي إن إن» البالغة 2.1 مليار دولار، أو موازنة “بي بي سي وورلد” التي تصل إلى 750 مليون دولار... لكن القيّمين يطمحون إلى سد هذه الثغرة من خلال تعاون استثنائي بين المحطة وعدد كبير من وسائل الإعلام الفرنسية والدولية الأخرى.
بالطبع لا يمكن الحكم على حياد القناة قبل متابعتها. لكن ما يصعب تجاهله هو دور وسائل الإعلام المتعاظم في تحديد الأجندات السياسية. هذا ما لا تنفيه القناة التي أبصرت النور أمس، إذ أوضحت أن جمهورها المستهدف هو “صنّاع الرأي” في العالم، و“صنّاع الرأي المستقبليون” في العالم... أي “الطلاب” خصوصاً. لكن المؤكد أن فرنسا التي يعتبر عدد من المراقبين، أنّها لم تعد تملك من مقومات “القوّة العظمى” سوى الموقع، ستحتاج إلى جهد كبير كي تستعيد موقعاً مرموقاً في القرية الكونيّة.