رنا حايك
يجثو الممثل الأميركي أمام البطلة الشقراء، يستعدّ بكل أحاسيسه لإقناعها بحبه، وإعلان رغبته في قضاء ما بقي من حياته معها... يستجمع كل جرأته ليطلب منها الزواج. يقول لها: “I love you”. تترجم لحظة الحب العظيمة هذه أسفل الشاشة بجملة عربية واضحة: «أنا أهتم لأمرك»! حينها، يقف المشاهد العربي حائراً: هل من الممكن أن يتزوج هذا الأميركي أو أي إنسان آخر ، امرأة لأنه يهتم لأمرها فقط؟ على الأرجح لا... لكن خطوطاً حمراء تفرض على المترجم استخدام مصطلحات تتناسب مع ثقافتنا العربية. ويبدو أن الحب ليس من شيمنا!
تعتمد شركات الإنتاج العربية التي تعنى بترجمة البرامج الأجنبية في أداء مهمتها على قائمة من «الخطوط العريضة»، تطول أو تقصر حسب الفضائية التي تبثّ البرنامج. وفيما تطول قائمة التحفظات الخاصة بالقنوات السعودية مثل «أم بي سي» التي تمنع بثّ المصطلحات المنافية للشريعة الإسلامية، تحصر الفضائيات التابعة لشبكة «شوتايم»، و»أوربت» و «دبي» تحفظاتها في المسائل السياسية. وتطلب هذه القنوات من المترجمين تطويع النص الأصلي الذي يبدي تعاطفاً مع اليهود وقضية المحرقة اليهودية مثلاً. كما تمتنع عن تسويق الصورة النمطية التي تنتجها هوليوود عن الإرهابي الذي يكون دائماً عربياً مسلماً. في هذه الحال، قد يحذف أي مشهد يتحدث عن المحرقة اليهودية، أو يُسمّى «الإرهابي» «متشدداً».
وها هي «أم بي سي 2» و»أم بي سي 4» التي حققت فواصلها سبقاً حينما صوّرت محجبات مشتركات في عرض أزياء، أملاً في الجمع بين المعاصرة والإسلام، تتّبع النهج ذاته في البرامج الأجنبية التي تبثها. وفيما تغضّ هذه القنوات الطرف عن موضوع الحلقة حتى لو تناول محرمات، يبقى التطويع حاضراً لتغيير بعض العبارات: «المساكنة» تستحيل مجرد «صداقة» و «الاغتصاب» يتحول إلى مصطلح «اعتداء» من دون ذكر طبيعته. أما العلاقة الجنسية فتأخذ صيغة «المقاربة» البريئة. فيما يفقد التحرش الجنسي صفته العدوانية، ويصبح على عكس معناه: «تودّداً»! أما القبلة «فيجب ألاّ تتجاوز الثواني الثلاث، ويحدد المسموح ظهوره من عري الممثلة بالسنتيمرات، وإلا حذف المشهد» تؤكد رشا مكارم، رئيسة قسم الترجمة في شركة “«إيماج» للإنتاج التلفزيوني. وتضيف: «بسبب هذه القيود، لا يقتصر عملنا على الترجمة فحسب، بل يتخاطاها ليشمل المونتاج أحياناً».
وفيما تتساهل قنوات «شوتايم» و «أوربت» في ترجمة المصطلحات الجنسية والدينية، تلتزم قنوات «أم بي سي» الشريعة الإسلامية التزاماً حرفياً: فلا مجال في برامجها لورود كلمة «تبنّي»، بل يستعاض عنها بـ «وصاية». كما يشار إلى الكنيسة بعبارة «دار العبادة» فيما يمنع بث المشهد الذي يظهر الصليب في خلفيته.
هذا الالتزام الصارم يفرض على المترجمين قيوداً لا مفر منها ويضعهم في مأزق الأمانة المهنية كما تشرح مكارم: «نجد أنفسنا مضطرين لمخالفة قواعد الترجمة الأساسية. لكننا ملزمون بتكييف نصوصنا حتى تصبح صالحة للبث». وتشدد مكارم على وعي شريحة واسعة من المشاهدين العرب الذين يتقنون اللغات الأجنبية.
التناقض يبدو واضحاً أيضاً في المشهد الفضائي العربي: ففيما تحدد بعض الفضائيات مشاهد العري بالسنتيمترات، وتفرض على الترجمة قيوداً قد تسيء إليها أحياناً، تعمد قنوات خليجية اخرى إلى ملء هوائها بفيديو كليبات فاضحة تشترط العري والإغراء في المقام الاول.