بيار أبي صعب
قلّة هي الكتب التي تدعو هذه الأيام الى الاحتفال. ولعلّ باكورة إبراهيم بادي الأدبيّة واحدة منها. رواية “حبّ في السعوديّة” الصادرة حديثاً عن “دار الآداب”، هي أولاً هديّة إلى بيروت. الكاتب السعودي الشاب الذي عرفناه صحافيّاً مشاكساً، ومسرحياً جريئاً، يقول للمدينة، من حيث يدري أو لا يدري ربّما: أنت فضاء حريتي، عاصمة أحلامي الأدبية والوجوديّة، أنا مواطن سعودي عربي... من بيروت! إنّه يساعدنا على استعادة وجه آخر للمدينة، منسي ومسلوب. يوم كانت مختبر الحداثة العربية، تصدّر المشاريع التنويريّة وتحتضن الخوارج والتجارب الطليعيّة...
جرفت الحرب منارة العرب (هل تكون مصادفة؟)، فأعيد بناء مدينة أخرى على أنقاضها، حسب قواعد منظور مختلفة. الفلسفة الاقتصاديّة الجديدة شاءت لبيروت أن تصبح “كاباريه العرب”... كل ما فيها صار في خدمة الكاباريه وضيوفه، من الملاهي الليلية إلى القنوات الفضائيّة. صارت “باريس الشرق” (سابقاً) وكالة كبرى في خدمة الانحطاط العربي. على تلك القيَم نشأ الجيل الجديد، منخرطاً في الآلة الاقتصادية الطفيلية التي ترعى في أحضانها المتخثرة كل أشكال الطائفية والفساد. المدينة التي كانت تُنبِتُ أحلام التغيير، صارت تبيع حريّة رخيصة، وترمي الفُتات إلى أبناء الطبقة الوسطى المنهارة ليعتاشوا.
لكن الكاتب السعودي الذي لا تهمّه الحرية السهلة، راح يبحث في بيروت عن مدينته، ووجدها. لقد اختار أن يولد كاتباً من بيروت. وضع اسمه الصريح على الرواية ليكون على مستوى التحدي. لا تتوقفوا كثيراً عند الخمر والجنس، إنها رواية مسكونة قبل كل شيء بوجع الحرية، بشهوة الحرية. بحاجة قويّة، جارفة الى اختراع مستقبل. الحروف والكلمات تحرق أصابع ابراهيم، تصير أصابع كاتب. مبروك. سنحاول أن نكون على مستوى الهديّة.