حسين بن حمزة
ينضم كتاب “هويات كثيرة وحيرة واحدة / سيرة لبنانية” (دار الساقي – بيروت) لحسام عيتاني إلى السجال التاريخي والسياسي والاجتماعي الدائر حول الوجود اللبناني والهوية اللبنانية. وهو سجال لم ولن يتوقف ولن يصل على ما يبدو إلى نتائج عملية وموحدة، يمكن أن يجمع عليها ليس اللبنانيون أنفسهم بل كتّابهم الذين يخوضون هذا السجال بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن جماعاتهم ومواطنيهم.
إن ديمومة السجال هذه، المستندة، بدورها، إلى ديمومة الخلافات المكونة لهذا السجال، تثبت حقيقة أن اللبنانيين، على رغم ما عرفوه وما ذاقوه ــ إذا استعرنا عنوان كتاب المؤرخ أحمد بيضون الشهير “ما علمتم وذقتم” ــ لم يتوصلوا إلى معطيات أساسية لوجودهم واجتماعهم السياسي والاجتماعي. فهذه المعطيات التي تكاد تكون بديهية، هي موضع روايات متعددة ومتنافرة يطرحها كل طرف لبناني أو طائفة لبنانية. ومن النافل الحديث عن الخلافات الجوهرية بين هذه الروايات، وهي خلافات تجعل هذه الروايات متناقضة لا مختلفة فيما بينها ببعض التفاصيل فقط.
وفق هذا السياق، يمكن النظر إلى مساهمة حسام عيتاني، وتفحص معطيات قراءته ونقده لـ“سيرة لبنانية” مختلف عليها. ولا بد من أنه حين يضع تسمية “سيرة لبنانية” على غلاف الكتاب من دون “الـ” التعريف، إنما يسلّم باستحالة أن يقدر أحد على اجتراح تعريف موحد، جامع مانع، لها.
يفتتح حسام عيتاني كتابه بمدخل مكتوب بنبرة ذاتية شديدة الحميمية والتأثير، حيث يقلب، مع القارئ، نتفاً وشذرات من طفولته وملامساته المبكرة لمفاهيم “الهوية” و“الطائفة” و“الحرب” و“الأحزاب”... قبل أن ينتقل إلى نبرة أخرى فيها هواجس الجماعات اللبنانية. ينطلق في ذلك من لحظة تشييع الرئيس رفيق الحريري، عائداً إلى الماضي البعيد، في محاولة لتحديد اللحظة التاريخية التي يمكن نسب ظهور الهوية اللبنانية إليها. ثم ينهي الكتاب بـ“مدخل جديد” بدل الخاتمة، ليتخيل هذه المرة ما سيشهده ابنه الصغير، وجيل الأبناء عموماً، من صراع هويات لا شفاء منه.
تصعب، في مراجعة سريعة كهذه، الإشارة بدقة إلى الأفكار التي يطرحها المؤلف. فالكتاب يحتاج إلى قراءة متمهلة، وسجالية شأن السجال الذي تدخل فيه. وبحسب مسلّمات سجال دراماتيكي كهذا، يقوم المؤلف بكتابة فهمه ومقترحاته واستنتاجاته بهدف تجميع رواية متماسكة، لسيرة لبنانية يمكنها أن تخلق مصالحة أو تجانساً بين هويات لبنانية، والعثور على “عالم” يمكنه جذب “عوالم” اللبنانيين المختلفة.
الكتاب، بهذا المعنى، يكتب سيرة ما، ولكنه، في الوقت نفسه، يحاور كتّاباً (ميشال شيحا، أحمد بيضون، شارل مالك، وضاح شرارة، حازم صاغية، سمير خلف، فواز طرابلسي...)، يتجول في رواياتهم، متبنّياً أفكاراً هنا، ومتجنّباً أفكاراً هناك.