سعد هادي
انتقل المسرح الكوميدي العراقي إلى دمشق بعد أن ظلّ عاطلاً من العمل منذ الاحتلال الاميركي: مسرحيتان تواصل عرضهما بنجاح جماهيري معقول منذ عيد الفطر، فيما بدأ عرض مسرحية ثالثة تحت عنوان “هوم سك” قبل أيام على مسرح “راميتا” في دمشق. وهناك أيضاً ثلاث مسرحيات مقبلة قد تعرض في إجازة عيد الاضحى... أبطال هذه المسرحيات هم نجوم ما كان يسمى “المسرح التجاري” الذي كادت موجته الطاغية أن تقضي في التسعينيات على حركة المسرح الحقيقي في العراق، ووضعت الفنانين في معسكرين متضادين. كما سببت ظهور نجوم شباك، ومواهب مغمورة في الكتابة والتمثيل والإخراج، أجادت الوصول السريع إلى جيوب المشاهدين قبل عقولهم... الكثير من العروض التي قدمت لا يتذكرها المشاهدون اليوم. كانت وجبات سريعة للإضحاك لا يلبث مذاقها أن يتلاشى. وحتى عندما كانت تسافر خارج الحدود، كانت تذهب إلى المنافي البعيدة، حيث لا رقيب ولا صحافة ولا نقاد، وحيث تكفي كلمة واحدة لتشعل عاصفة من الضحك. ويرى فنانو المسرح العراقي الجاد، يقيم بعضهم منذ سنوات في دمشق هرباً من ديكتاتورية البعث ثم بسبب تردي الوضع الأمني الراهن، في هذه الظاهرة دليلاً على الانهيار الثقافي الذي بدأ يصدر إفرازاته إلى الخارج، والذي عاجلاً أو آجلاً سيرسخ صورة رديئة عن منجزات الحركة المسرحية وتاريخها الثقافي الناصع وتجارب روادها. من جانب آخر، يتحدث هؤلاء عن صراعات تجري في الكواليس بين مقدمي هذه العروض للحصول على أعلى الإيرادات: مسرحية “جاي وجذب” أُزيحت من المسرح الذي كانت تقدم فيه لمصلحة مسرحية “هوم سك” بعد أن رفع منظمو العرض الأخير بدل إيجار المسرح من 200 إلى 300 دولار. ويدور في الكواليس أيضاً حديث عن محاولات تجري في الخفاء لإغراء بعض الممثلين، بعد نجاحهم على الخشبة، للانضمام إلى مجاميع غير مجاميعهم الأصلية.
وسط كل هذه الأحاديث، وبعيداً من العروض التجارية، يبقى لهذه العروض ميزة أساسية في تقديم معالجات ساذجة لمشاكل الجمهور وهمومه، ومدّه بجرعات ضحك هو في أمس الحاجة اليها وسط مآسيه المتتالية، فضحكة في اليد خير من ألف مؤجلة.