دبي ــ زياد عبد الواحد
لن يهرب منظمو مهرجان «دبي السينمائي الدولي» من «الشبهة» السياسية التي تخيم دوماً على اختيار فيلم الافتتاح. انهم يقفون أمام عدسات المصورين وميكروفونات الصحافيين. والتركيز هو على اختيارات الافلام التي يتحكم بها عاملان: التوافق مع رسالة المهرجان في «التجسير بين ثقافة الغرب والشرق»، والثانية تتعلق بحركة الانتاج السينمائي ذاتها. ويمكن اسقاط هذا العامل بحيث يؤثر على مأزق غياب المنتجات الحديثة التي من شأنها تمثيل السينما العربية.
افتتح مهرجان «دبي السينمائي الدولي» دورته الثالثة أمس (تستمر حتى 17 من الشهر الجاري)، بفيلم «بوبي» للمخرج الأميركي اميليو استيفيرز، ويكتنف خطاباً نقدياً قاسياً لسياسة إدارة بوش... هكذا، يكون المهرجان غطس مجدداً في رمال متحرّكة كان يفضل عدم التورط فيها. لكنها السياسة دائماً وأبداً... وبعض النقاد المتحمسين لاستقرائها في الاشارات التي يبثها المهرجان، يعتقدون أن دبي ستقول تحت مظلة النشاط الثقافي، ما عجزت عن قوله تحت مظلة الاقتصاد والسياسة. هكذا، رأت بعض «الألسن الخبيثة» أن اختيار «بوبي» الذي يدين بشدة سياسة جورج بوش، يرتكز على رغبة الإمارات بـ «زكزكة» الادارة الاميركية التي حالت دون تملك دبي لشركة «الموانئ العالمية» (بي. أند. أو). وهي الادارة ذاتها التي تخرج من كنفها أصوات تدعو الى معاقبة دبي بسبب تقارير تتناول «استغلال الأطفال في سباقات الجمال»، وأخرى تدّعي وجود «شبكات تجارة رقيق في الإمارة». النقاد الأكثر «اعتدالاً» يرون أن «بوبي» جاء ليقدم رسالة سلام ومحبة، وهي الرسالة التي تركز عليها دبي تركّز منذ نشأتها الحديثة، والتي كسبت بفضلها الكثير. نعم... إنها السياسة! وسواء أحب المنظمون ذلك أم لا، فهي تحضر بقوة في تصريحات الفنانين المشاركين في «بوبي» عن «الخجل الذي يشعرون به، في هذه الظروف، من كونهم أميركيين». واذا تذكرنا أن «الجنة الآن» افتتح الدورة الماضية من المهرجان، فإن الاحتمال الأكثر واقعية، هو أن دبي تبحث عن الاعمال التي تحاكي خطابها في نبذ العنف وفي اختيار الحياد ــ وهذا بحدّ ذاته موقف سياسي طبعاً ــ والدعوة الى التآخي بين الأعراق والجنسيات!
وأياً كان من أمر، فإن الكثير من النقاد يجمعون على أن «بوبي» الذي أثار كل هذا النقاش، ليس أفضل أفلام الدورة. هناك بين هؤلاء من ينحاز لفيلم «بابل»، أو الفيلم الفرنسي «أحبك باريس». لكن هل بوسع دبي أن تحتضن نقاشاً سينمائياً وثقافياً أصلاً، ومن تراهم المعنيون في مثل هذا النقاش، المنشغلون في قضايا جمالية وإبداعيّة وفكريّة؟ القاعدة هنا هي السياحة والخدمات و... المال. المال وحده نجم المهرجان، بوسعه أن يستقطب أكبر نجوم هوليوود. والمهرجان الذي يخوض دورته الثالثة على ذيول مهرجان القاهرة المنتهية فعالياته أول من أمس، وبعد مهرجان مراكش، قادر على الرهان على موازنته الضخمة. 115 فيلماً من 47 دولة ستُعرض في المهرجان. ويضم البرنامج أفلاماً من الشرق الأقصى ضمن تظاهرة «إطلالات من آسيا» وسلسلة من الأفلام المستقلة ضمن تظاهرة «شبه القارة الهندية»، إضافة الى أنه يمنح اهتماماً خاصاً لأفريقيا ضمن تظاهرة «على شرف أفريقيا».
موازنة المهرجان تستطيع أن تجذب أكثر النجوم سطوعاً. ريتشارد غير هنا، رغم أن برنامج المهرجان لا يعرض أيّاً من أفلامه. لكن الأهم هو حضور المخرج الأميركي أوليفر ستون الذي يكرّمه المهرجان. وقد يتخذ تكريمه ابعاداً سياسية، ولا مفرّ من أن تصبّ في خانة مناهضة سياسة ادارة بوش التي جهد هذا المخرج المشاكس في انتقادها.
لكن اللافت أن جيلاً آخر من النجوم، لنقل شباب هوليوود، يحضرون بكثافة هذا العام. ويؤكدون في كل مناسبة مدى سعادتهم «بزيارة دبي وحتى... الاقامة فيها». وهم على الأرجح لن يقولوا كلاماً مشابهاً عن تونس أو القاهرة!! ويكفي أن نذكر الوسيم جوشيا جاكسون، الممثل الكندي الذي عرفناه في فيلم «ظلال تحت الشمس»، والممثلة السوداء جوي براينت التي لفتت الأنظار في فيلم «لندن»... لكي نؤكّد أن هوليوود صدّرت شبابها إلى دبي!
وعلى الرغم من الرغبة السرية لدى فناني مصر بأن يتمسكوا متحدين بربطة عنق عزت أبو عوف، رئيس مهرجان القاهرة هذا العام، لإنقاذ المهرجان من الجمود في دورته الثلاثين، فإن نجوم «المحروسة» لا يترددون بدورهم في تلبية دعوة مهرجان دبي. ليلى علوي عضو لجنة التحكيم، وميرفت أمين ضيفة شرف، والمخرجة هالة خليل وطاقم فيلمها «قص ولزق» (باستثناء حنان الترك التي لم تحسم مشاركتها) كانوا جميعاً في فندق القصر الفخم الذي يقيم فيه النجوم المدعوون. واذا صدقت «التسريبات» التي وصلت الى أحد أبطال الفيلم شريف منير، فإن فيلم خليل قد يحصد جوائز جديدة، يضيفها الى الجائزتين اللتين نالهما منذ أيام في القاهرة. خالد يوسف و «خيانته المشروعة» موجود أيضاً. إلهام شاهين ومحمود عبد العزيز وصلاح السعدني وكثر غيرهم. أما مخرج الواقعية الجديدة في السينما المصريّة محمد خان، فسيشارك إلى جانب ريتشارد غير وأوليفر ستون في ندوة عن «دور السينما في التقريب بين الثقافات». ألم نقل لكم إن دبي هي بؤرة أساسيّة لـ... حوار الثقافات؟