بيار أبي صعب
مقاومة الحصار الذي تتعرّض له الصحافة العربيّة قضيّة مشرّفة، بل واجب مقدّس! وانعقاد مؤتمر في بيروت بعنوان “الصحافة تحت الحصار”، حدث يهمّ كل من تشغله معارك الحريّة في المنطقة. مؤتمر كهذا هو موعد استثنائي لكل الساعين إلى إحراز تقدم ما على طريق الديموقراطية وحقوق الإنسان.
هكذا أمّت حفنة من الإعلاميين العرب بيروت، وكان من الطبيعي أن تبدأ بالانحناء أمام جبران تويني بصفته زميلاً سقط بنار الحقد والغدر، بسبب أفكاره. معظم هؤلاء الزوّار عانى ويعاني في بلاده من القمع والتنكيل والتعذيب والسجن والاضطهاد ومحاولات الاغتيال. لذا حملوا أوهامهم وجراحهم ومعاركهم المضنية، وجاؤوا إلى المدينة التي يعاد فيها اختراع الحريّة، يواصلون حلمهم بزحزحة الطغاة الذين يحجبون عنهم (عنّا) وجه المستقبل... بيروت التي كانت أنظارهم مسمّرة إليها في تمّوز (يوليو) الماضي، وهي تومئ للشمس تحت أطنان القنابل. كانوا يعرفون أنها تحارب عنهم، من أجل الحريّة.
لكن أصدقاءنا وزملاءنا، لم ينتبهوا إلى أنفسهم إلا وقد وقعوا في المقلب، في صالة “بيال” قبل ظهر الأحد. أن يحيي المؤتمرون ذكرى الشهيد تويني، ويقفوا إلى جانب أهله وزملائه مطيّبين جراحهم، مدافعين عن حريّة الصحافة، هاتفين ضدّ قمع الصحافيين وقتلهم... شيء، وأن يجدوا أنفسهم أسرى خندق سياسي معيّن على الساحة اللبنانية، لأنه خندق الشهيد، من دون أن يسألوا رأيهم... فشيء آخر.
هذا الفخ نصبته لهم مؤسسة عالميّة من المفروض أنها محايدة (الاتحاد العالمي للصحف)، معركتها حرية الإعلام بمعزل عن أي اعتبار آخر. أم ترى الفخ نصب للاتحاد المذكور أيضاً؟ “لست مع 14 آذار... وأنا ضدّ المشروع الأميركي في المنطقة”، احتج صحافي عربي معروف من المشاركين في المؤتمر. وأضاف: إذا كنت مقموعاً في بلدي، فمن طرف سلطة متواطئة مع المشروع نفسه. ومن غريب المصادفات أن حكومتكم المرفوضة تلقى دعماً من أكثر الأنظمة قمعاً لحريّة التعبير!
لقد وجد زملاؤنا أنفسهم «تحت الحصار» فعلاً في لبنان: قرارهم مصادر، وقناعاتهم السياسية مشطوبة، وفندقهم بعيد عن ضجيج الرعاع في بيروت... ولعلّه درس يمكن أن يدرج في النقاشات المقبلة للاتحاد: الحرية ليست بالضرورة في الخندق (الشيك) الذي نفترضه، ولا الحصار يتخذ دائماً الشكل الذي نتوقّعه. على فكرة، الصحافة العربيّة محاصرة فعلاً. إن وسائل الإعلام الأكثر انتشاراً وتأثيراً، في سوادها الأعظم، مموّلة من جهة واحدة. أين مستر تيموثي بالدينغ واتحاده؟ من يفك عنّا الحصار؟