القاهرة ــ محمد شعير
حازت سحر خليفة تقديرات عالمية عدّة، من “مورافيا» إلى “ثرفانتس”. لكنها المرّة الأولى التي تكرّم الأديبة الفلسطينية عربياً. لقد فازت بجائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة، عن رواية تحكي ضياع القدس

هل حصلت سحر خليفة على جائزة نجيب محفوظ لأسباب سياسية بحتة؟ فوجئت الروائية الفلسطينية بالسؤال تطرحه عليها إحدى الصحافيات خلال المؤتمر الذي عقدته الجامعة الأميركية في القاهرة أمس، في مناسبة الإعلان عن الفائز بالجائزة السنوية التي تحمل اسم عميد الرواية العربية.
ارتبكت قليلاً صاحبة “صورة وأيقونة وعهد قديم” (2002) الرواية التي منحت الجائزة على أساسها. اعتبرت أولاً أن السؤال ليس موجهاً إليها، بل الى لجنة التحكيم الجالسة إلى جوارها. أجاب مارك لينز مدير قسم النشر في الجامعة الأميركية: “ليس صحيحاً. لا نمنح الجائزة لأسباب سياسية. منحناها قبلاً لروائيات من بلدان عربية مختلفة مثل أحلام مستغانمي من الجزائر، وهدى بركات من لبنان”.
إلا أن سحر خليفة التي أدركت مغزى السؤال، عادت إلى هذه النقطة: “إنّها أول جائزة عربية أحصل عليها، على رغم أنني حصلت على جائزة “ألبرتو مورافيا” الإيطالية، وعلى جائزة “ثرفانتس” الإسبانية. حتى السلطة الفلسطينية لم تمنحني أي جائزة لأنني كتبت رواية “الميراث” التي تناولت فساد السلطة. أعتقد بأنني أستحق العديد من الجوائز، وأعتز بجائزة تحمل اسم نجيب محفوظ على رغم أنها جاءت متأخرة”.
المرأة والوطن
رواية سحر خليفة “الصبار” (1976) التي تطرّقت إلى حاجة العمال الفلسطينيين إلى العمل داخل إسرائيل في السبعينيات، تعتبر مفترق طرق في مسار الأدب الفلسطيني. وقد تناولت الكاتبة في أعمالها الواقع من خلال نظرة نقدية، تجمع بين التجربة الفرديّة ومعاناة الجماعة، بين الإحباطات المتتالية والحركة النسوية والانتفاضة وأوسلو وضياع القدس ومفارقات الثورة الفلسطينية...
منذ دخولها المشهد الأدبي، جسّدت سحر خليفة في تجربتها الروائية مسارين، هما مسار الرواية النسوية التي مثّلته روايات مثل “لم نعد جواري لكم” (1974) و“مذكرات امرأة غير واقعية” (1986). أما الثاني فهو مسار الرواية الفلسطينية الذي تمثل في “الصبار” (1976)، و“الميراث” (1977)، و“عباد الشمس” (1980)، و“باب الساحة” (1990). إلا أنّ هاتين الثيمتين، أي المرأة والوطن، تداخلتا في معظم رواياتها، كأنّ المواجهة كانت على جبهتين: مواجهة الاحتلال ومواجهة السلطة البطريركيّة في مجتمع ذكوري. حكمت هاتان الثنائيتان معظم رواياتها، انطلاقاً مـــــــــن أنّ تحرّر الوطن من الاحتلال لا يكون كاملاً ما لم يتــــــــرافق مع تحرر المرأة من قيود المجتمع ووصاية الرجل.
رواية الضياع بامتياز
لجنة التحكيم التي تألفت من الدكتورة هدى وصفي، عبد المنعم تليمه، إبراهيم فتحي، فخري صالح، سامية محرز ومارك لينز، اعتبرت أن “صورة وأيقونة وعهد قديم” هي رواية الضياع بامتياز، ورواية الطاقة السردية العالية. إذ تستدعي فيها سحر خليفة فضاءً غائباً. إنّها مثل شعر الجاهلية تبدأ بالبكاء على الأطلال... لتخوض في نضال الفلسطينيين حالياً. وتتآزر مستويات السرد، تاريخياً وجمالياً، من خلال رموز تختصر الشخوص والأمكنة، وتستدعي دلالات موروثة مقدسة لا تزال حية وفاعلة. تبدو بطلة الرواية مريم المسيحية صورةً جميلةً في خيال البطل المسلم إبراهيم الذي يحملها معه في غربة الشتات. يستعيد من خلالها ذكرياته في القدس. ليست مريم سوى القدس، أيقونة مدينة الأنبياء التي شوّهتها الحرب وأهوال الاحتلال.
عضو لجنة التحكيم وأستاذة الأدب العربي في الجامعة الأميركية في القاهرة سامية محرز، قالت إن “قصة الحب هذه التي تدور قبل هزيمة 1967 هي ذات طابع إشكالي. لكن الحدث يتوارى، على المستوى الشخصي، في تاريخ المدينة المقدسة التي استرسلت لصناعة السياحة وهجرت شعارات التحرير... الرواية ليست ملحمة إنما مرثية لمدينة الراوي الحبيبة. مدينة القدس التي هجرها أنبياؤها الجدد سعياً وراء أموال الخليج”. من خلال هذه الرواية، توضح الكاتبة الموقف الفلسطيني الصعب والمعقّد لاجئةً الى شخصيات غير تقليدية، تبحث عن حلول لسؤالها الوجودي خارج السياسة، أي عبر الحب والعلاقات الإنسانية الخائبة والمدمرة.
وقالت خليفة التي تسلمت الجائزة مساء أمس، إن المناسبة ذكّرتها بمشهدين لا تنساهما. الأول منذ ثلاثين سنة، عندما اقترحت عليها أستاذتها الدكتورة حنان عشراوي تقديم مخطوط “الصبار” إلى الدائرة العربية في وزارة المعارف تحت الاحتلال، لكن مدير الدائرة اعتبر يومذاك أن الرواية لا ترقى الى مستوى الأدب. أما المشهد الثاني فهو عندما جاءت بروايتها إلى القاهرة لتنشرها، لكن الناشر رفضها أيضاً بحجة أنّ الرواية مجهولة الجنس والهوية. واعتبرت الكاتبة أن الأدب ليس “حلية نعلّقها فى صدر البيت، وشكلة على الرأس... بل إحساس أعمق، مجبول بالتراب، بالشوارع، بهموم الناس، برصاص المحتل والمدافع، بالضحايا ودم الثوار. وأيضاً بالحب والتمنّي وحنين القلب، وجمال الروح والتصدر للكآبة بأجنحة الحلم”. وأضافت: “الأدب بالنسبة إليّ ليس نزهة، بل جهد وأجنحة ومرايا وعتاب دائم للذات وسماء ماطرة وقذائف ومآذن في أرض ما عرفت إلا الدم”.
عشيّة جائزة نجيب محفوظ التي تبلغ قيمتها ألف دولار أميركي ــ فضلاً عن ترجمتها إلى الإنكليزية ــ أوضحت سحر خليفة أن الهم الفلسطيني كبير، ويحتاج إلى طابور طويل من المبدعين للتعبير عنه. وأضافت: “أنا أعتبر نفسي كاتبة ملتزمة، لكن لا بد من أن أعمل على تطوير لغتي وتقنياتي، ومتابعة الإنجازات الأدبية فى العالم أجمع، لأن الاتكاء على القضية فقط لا يخدم القضية، ولا يخدم الأدب”. وعن روايتها الفائزة قالت: “هي رواية عن ضياع القدس، أحاول أن “أكمش” فيها أجواء هذه المدينة، بحثاً عن طريق وبحثاً عن إجابة: من سيرثي القدس في هذا الزمن العربي الرديء؟”.