strong> بشير صفير
شربل الهبر من رواد الروك البديل عربياً. الليلة يعزف ويغني في بيروت، مع رفاقه في فرقة «سكرامبلد إيغز»، في مناسبة صدور أسطوانتهم الجديدة الطالعة من حرب تموز «سعداء معاً، أشقياء الى الأبد» (Incognito). القسم الثاني من البرنامج مخصص للموسيقى الإلكترونية مع جواد نوفل

إذا كان لا بد للحرب من «انعكاسات ايجابية»، فينبغي البحث عنها في الانتاج الفني والادبي الذي يظهر في الأيام الصعبة أو يأتي بعدها مباشرة. وهذا ينطبق تحديداً على الفنون الطليعية والشبابية البديلة التي تشهد ازدهاراً ملحوظاً في لبنان وبعض الدول العربية، من السينما والأدب الى الموسيقى... خلال العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان، والمرحلة التي تلته، عبّرت مجموعة من الموسيقيين اللبنانيين عن موقفها، وتناولت تأثيرات الحرب وردود الفعل عليها، من خلال أعمال موسيقية مختلفة. تجارب غازي عبد الباقي وشربل روحانا وزياد سحاب وعبود السعدي في ألبوم «...منعيش»، وزياد بطرس وجوليا في «أحبائي» وحفلة الموسيقى المرتجلة الحرة «حرب تموز» التي قدّمها مازن كرباج ورائد ياسين...
لكن هناك الروك البديل أيضاً، والموسيقى الالكترونية. ولعلّهما مجال تعبير ــ على قدر عال من الخصوصية ــ عن تلك الصدمة الاستثنائية التي خلّفها الصيف الدموي في لبنان على الفنانين الشباب. حرب تمّوز الأخيرة تركت بصماتها على موسيقى الروك البديل، كما تتجلّى في أسطوانة «سعداء معاً، أشقياء الى الأبد» لفرقة SCRAMBLED EGGS... كما تركت بصماتها على الموسيقى الالكترونية مع الاسطوانة الاولى لفرقة MUNMA بعنوان «34 يوماً». عمل فنانو الفرقتين على المادة الموسيقية خلال الحرب. أما الموسيقى التي أنتجوها، والتي يقدمونها الليلة للجمهور في أحد النوادي الليليّة في حيّ الجميزة/ الصيفي البيروتي
(THE BASEMENT)، فعبّرت عن هذا التأثير بشكل غير مباشر اجمالاً، وشبه مباشر أحياناً.
أُطلقت الأسطوانتان خلال توقيع مشترك اقيم مطلع الاسبوع في مكتبة الـ «سي.دي.تيك» المعروفة في الأشرفية هي صاحبة الشركة المنتجة Incognito التي تنظم أيضاً حفلة الليلة، خلالها ستتناوب على المسرح موسيقى الروك مع فريق «سكرامبلد إيغز» والموسيقى الالكترونية مع «مونمة».
بالنسبة الى الـ SCRAMBLED EGGS، يأتي ألبوم «سعداء معاً، أشقياء الى الأبد» ليشكّل الاسطوانة الرابعة التي تطلقها الفرقة في مجال موسيقى الروك البديل. أسطوانتها الاولى Human friendly noises ضمت تجربتها في مجالي عزف اغاني الروك العالمية والتأليف الموسيقي الخاص. وكانت هذه المحطة الاولى من التوثيق الموسيقي فسحةً للنقد الذاتي، وقاعدة للانطلاق الى فضاءات صوتية اخرى.
وقبل عامين اتخذت الفرقة شكلها الحالي بالنسبة إلى الموسيقيين، ولم يبقَ من التركيبة الاصلية الا مؤسسوها شربل الهبر (غناء غيتار كهربائي، إلكترونيات) وطوني علية (باص كهربائي)... فيما انضم اليهما مالك رزق الله (دارمز)، ومارك قدسي (باص كهربائي وإلكترونيات). كانت بصمات الموسيقي التجريبية، والمرتجلة الحرة واضحة على الاسطوانة الثالثة Nevermind where, just drive.
أما العمل الجديد فيؤكد ما قاله شربل الهبر بعد اطلاق الاسطوانة الثالثة: «انه المشروع الذي طالما طمحنا اليه، لكن هذا لا يعني انه سيكون نمطاً نهائياً نعتمده في تسجيلاتنا اللاحقة». هذه المرّة عادت الفرقة الى الموسيقى المكتوبة والايقاع المضبوط والشكل المألوف لأغنية الروك. وتعكس الأسطوانة مناخات الأيام الصعبة في لبنان هذا الصيف، مع قصف الطائرات والبوارج الإسرائيلية. ولعلّ مقطوعة «1984» التي هي تسجيل حيّ خلال الغارات، خير تجسيد لتلك العلاقة الحية باللحظة!
أما فرقة MUNMA، فتقوم على تعاون بين برامج الكومبيوتر من جهة، وحسن استخدامها والتعامل معها بعلمية متمكنة وحرفية عالية وذوق رفيع من جهة أخرى. يقف وراء التجربة جواد نوفل، المتخصص في علم تصميم الصوت الذي يتابع حثيثاً تطور البرامج المتخصصة في هذا المجال. وتجدر الاشارة إلى أن التمكن من هذه الترسانة الصوتية، لا يقل صعوبةً عن التمكن من أي آلة موسيقية.
وفي المجال الموسيقي الذي يدخل فيه الكومبيوتر عنصراً أساسياً، يجب التفريق بين الاستعمال الرائج لهذا الأخير (أي اعادة مزج موسيقى معينة)، وبين الاستعمال الذي يرتكز على الابتكار من جهة أخرى. الابتكار في مجال الموسيقى الالكترونية يتجسّد في البحث داخل الاحتمالات اللامتناهية، وانتقاء العناصر المناسبة، وتصميمها بإتقان، لتكوين المادة الصوتية/ الموسيقية. هذه المادة تأتي تعبيراً عن خيارات جمالية: إذ يختار الفنان الالكتروني عناصرها في المختبر الصوتي الضخم، كما يختار الكاتب كلماته، والفنان ألوانه في أي عملية ابداعيّة.
ولا يمنع هذا التناول الالكتروني الباحث من استعمال اصوات من خارج العالم الصوتي الافتراضي، اي من عالم الواقع والمادة الصوتية التي تنتجها حركة الحياة وتحديداً خلال العدوان. اذ يقحم جواد نوفل لحظات صوتية حية من انتاج الحرب في مطلع المقطوعة التي تحمل اسم الفرقة، حيث نسمع مقتطفات من نشرات الاخبار بين التشويش والسرابات الغنائية الناتجة من الانتقال السريع لإبرة الراديو، بحثاً عن خبر جديد عبر الأثير.
days 34وHAPPY TOGETHER FILTHY FOREVER» عملان لبنانيان بكل ما تحمل هذه الصفة من معان (هوية الفنانين، الانتاج، التوزيع، الموضوع)، باستثناء النمط الموسيقي «الغربي» (في اشد تبسيط له) واللغة التي كتبت فيها نصوص العمل الثاني (الانكليزية). وبهذا المعنى، فإن الاسطوانتين ــ وإن اتسمتا بالابداع والحداثة والتطور والافادة من الانجازات الايجابية للثقافة المعولمة ــ لا يسعهما تقديم متعة موسيقية للجمهور الواسع، أي للناس الذين عاشوا المعاناة في حرب تموز...
هذا لا يعني طبعاّ أن الاعمال الفنية الموسيقية الاخرى التي نتجت ايضاً من العدوان قدمت الكثير لهؤلاء الناس، على المستوى الفني او الإبداعي، ولو انها ظاهرياً تعنيهم نصاً وموسيقى اكثر من اي تجربة اخرى. معضلة؟ قد يكون سببها النموّ الثقافي غير المتوازن بين فئات الشعب الواحد، او اختلاف الانتماء الثقافي أصلاً.