ليست مبالغة القول إن محمد بنيس أدى دوراً “أدونيسياً” بالنسبة إلى الشعر المغربي. فهو، على خطى “مهيار الدمشقي” الذي يكنّ له إعجاباً وتقديراً كبيرين، قام بدور تأسيسي في الثقافة المغربية، وجمع بين الكتابة الشعرية والجهد النظري والنقدي. هذا إضافة إلى مساهمته التأسيسية في تطوير الفكر الشعري، لا الكتابة فقط، وفتح حوار جاد وساخن مع التاريخ التقليدي الطويل الذي رسّخته أجيال الخمسينيات والستينيات في المغرب.المفعول الأدونيسي لتجربة بنيس يتبدّى في سيرته الكتابية المزدوجة التي جمع فيها بين الشعر والنظرية، وبين الممارسة الذاتية للكتابة والفعل الثقافي العام. وقد تزامن ذلك مع إصداره مجلة “الثقافة الجديدة” (1974 ــ 1984) التي احتضنت، خلال ثلاثين عدداً، الارتيادات والمقترحات المغايرة للتجارب الجديدة في الشعر المغربي. وأسس، مع محمد بنطلحة وحسن نجمي وصلاح بو سريف، “بيت الشعر المغربي” الذي أدى دوراً بارزاً في توسيع الفضاء الشعري المغربي، وتقريبه من مناخات وعوالم شعرية عالمية شديدة الثراء والتنوع والحيوية. درَّس بنيس الشعر في الجامعة كما فعل أدونيس، وكان لمجلته “الثقافة الجديدة” دور طليعي مماثل، ولو على نطاق مغربي، لمجلة “مواقف” التي انطلقت السعام 1969، أي في السنة عينها التي نشر فيها محمد بنيس مجموعته الشعرية الأولى. وصار الشاعر المغربي لاحقاً، عضواً في هيئة تحرير “مواقف” التي بقي فيها حتّى توقف المجلّة الأدونيسيّة عن الصدور العام 1994.