مراكش ــ ياسين عدنان
لم تثر الجوائز التي أعلن عنها المخرج رومان بولانسكي ورفاقه في لجنة تحكيم “مهرجان مراكش الدولي للفيلم” حفيظة أحد. فمن يقدر على الطعن في نتائج لجنة يرأسها المخرج البولوني الكبير؟ وبأية حال فإن شخصية بولانسكي طبعت بقوّة نتائج الدورة الرابعة من المهرجان. كان الانتصار واضحاً لأفلام القضية، بدءاً بالجائزة الكبرى للمهرجان التي عادت الى الفيلم الألماني “الببغاء الأحمر” للمخرج دومينيك غراف. هذا الفيلم الذي قارب قضايا الحريات في ألمانيا الشرقية خلال الحرب الباردة، من خلال قصة سيكي وحبيبته لويز اللذين كانا يهرِّبان عشقهما الممنوع لموسيقى الروك أند رول إلى دهاليز سرية. الممثل ماكس ريميلت حاز جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم.
أما السينغالية فاتو نداي، فحازت جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم “يوم أحد في كيكالي” للمخرج الكندي روبير فافرو. يرصد هذا الفيلم ايضاً الإبادة العرقية التي ترتكبها قبائل التوتسي والهوتو بعضها ضد بعض في رواندا. وكانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة، من نصيب الفيلم الروماني “هيرتيافا في الباسترا” للمخرج رادو مونتيان الذي قارب مأساة حقوق الإنسان في عهد تشاوشيسكو، عبر رصده المواجهات التي أدت الى نهاية هذا النظام.
لقد كان حضور القضية والالتزام السياسي مقياساً حاسماً في اختيارات اللجنة. وشعر الكثير من المتابعين المغاربة بالخجل لأن المغرب، البلد المنظم، شارك بفيلم دعائي هو “انهض يا مغرب” لنرجس النجار. والحقيقة أن اختيار فيلمين مغربيين للمشاركة في المسابقة الرسمية هذه الدورة اعتُبر افتراءً كبيراً على المهرجان الذي سبق لإدارته أن أعلنت أنها لن تزج أي فيلم مغربي في المسابقة، ما لم يكن يمتلك المقومات الفنية.
وإذا كان فيلم فوزي بن السعيدي “يا له من عالم جميل” نجح في رصد مفارقات الحياة داخل مدينة صعبة اسمها الدار البيضاء، في فيلم حاد ومشاكس، يزاوج بين الفيلم البوليسي العنيف والكوميديا الساخرة، وبدا بالتالي جديراً بالمشاركة، فإن فيلم نرجس النجار بالمقابل نجح فعلاً في إحراج الجميع. حتى بولانسكي الذي جاء الى مراكش ليعلن انتصاره للمخرجين العضويين الذين يعطون الموقف السياسي مكانة جوهرية في تصورهم للعمل الفني، لا بد من أنه صدم وهو يشاهد فيلماً مغربياً لا يختلف كثيراً عن أفلام البروباغندا التي كان ينتجـــــــــــها المعسكر الشرقي في زمن قديم.
“انهض يا مغرب” يعرض في 110 دقائق قصة لاعب كرة قدم سابق (حسن الصقلي) يعيش في جزيرة صغيرة قرب الدار البيضاء وسط العاهرات والمشعوذات ومجموعة من الأيتام الذين يعشقون كرة القدم. ويركز الفيلم على اللحظة التي كان فيها المغاربة ينتظرون إعلان جوزيف بلاتير رئيس الفيفا عن البلد الأفريقي الذي سينظم كأس العالم 2010، وطبعاً ستحظى جنوب إفريقيا بفرصة تنظيم هذه الكأس. لكن نرجس النجار ستنتقم في فيلمها العجيب وستجعل “أسود الأطلس” يعودون بكأس العالم 2010 من قلب جنوب إفريقيا. وبذلك يكون المغرب قد ردّ الصاع صاعين لجنوب إفريقيا وجوزيـــــــــف بلاتير وكل الذين لا يقدّرون “النبوغ المغربي”. خطاب الفيلم ساذج ومباشر حد الاستفزاز.
وكان للعلَم المغربي حضور طاغٍ: أرادت نرجس النجار أن تجعل منه البطل الرئيس في فيلمها. حتى إنها حرصت على دخول الممثلين إلى القاعة خلال عرض الفيلم وهم يحملون العلم. والأمر نفسه تكرر لحظة دخول الممثلين في الفيلم إلى الندوة الصحافية. كان العلم الوطني حاضراً من دون احترام للصبغة السينمائية الدولية للمهرجان. وطبعاً لكي تضيف نرجس النجار بعض التوابل لخلطتها السينمائية، اختارت أن تقدم من حين الى آخر خطابات مباشرة ضد التطرف والمتطرفين. كل شيء جاء فجّاً في فيلم النجار، وهو ما يطرح أكثر من سؤال على إدارة المهرجان التي بدلاً من أن تتعامل بصرامة مع البرمجة بما يحفظ لهذا الموعد السينمائي الكبير قيمته... وبما يبعد عنه شبهة “الشوفينية الوطنية” التي نلصقها بمهرجانات أخرى في المنطقة، فإنها ورطت المغرب هذه الدورة في أسوأ أفلام المهرجان.