مهى زراقط
مُنعت مراسلة LBC ليليان شاطري من دخول مخيم الاعتصام في ساحتي الشهداء ورياض الصلح. ورد النبأ ضمن نشرة الأخبار المسائية للمحطة، بصيغة الشكوى من سلوك أولئك المعتصمين الشتّامين.
“المنع” نفسه يسري على تلفزيون “المستقبل”. والخبر يرد في وسائل الإعلام التابعة لتيار “المستقبل”، في لهجة اتهامية، فيترافق مع الحديث عن “أنوار خافتة” في الخيم، و“منع بعض الأحزاب فتياته من النوم هناك”، و“سهرات نار تشبه ما يقام في المعسكرات”... وكلها جمل توحي أكثر مما تخبر. هذه الطريقة في التعامل مع قرار المعتصمين بـ“مقاطعة” هاتين المحطتين، تفتقر إلى أبسط القواعد المهنية. جميعنا نعرف أن التظاهرة التي لا تغطيها وسائل الإعلام، هي تظاهرة غير مرئية وبالتالي غير فاعلةوأن مخيم الاعتصام مهما كثرت خيمه، وبقي بعيداً عن الكاميرا، لن يحقق ما قد تحققه صورة واحدة له. فهل يعاقب المعتصمون أنفسهم بمنع وسيلتين إعلاميتين لبنانيتين من تغطية نشاطهم؟
أما السؤال المباشر الذي يفترض أن يطرحه المسؤولون عن الأخبار في المؤسستين على أنفسهم هو: لماذا يرفض المعتصمون استقبالنا؟ وعليهم البحث عن الإجابة بعيداً من ريف دمشق هذه المرة... يمكن الاستفادة من فرنسا مثلاً. فلنتذكر قليلاً تجربة طلابها مع وسائل الإعلام خلال الإضراب الذي شهدته مختلف المدن الفرنسية مطلع العام الماضي، احتجاجاً على قانون “عقد العمل الأول” (CPE).
لم يكن الانقسام في التغطية بين “مع” و“ضد” هو ما أثار الطلاب. ولم يكن أيضاً “الكذب” أو “العنصرية” اللتان يشكو منهما المعتصمون اللبنانيون اليوم. كان بكل بساطة “غياب المهنية” و“الاجتزاء” في نقل التصاريح. آنذاك كان يمكنك أن تستمع بدهشة إلى حوار بين صحافي فرنسي وطالب في جامعة “Rennes 2”. يلوم الطالب الصحافي لأنه لم يقل له منذ البداية إنه سيقتطع من كلامه: “لو كنت أعرف أنك بحاجة إلى دقيقة واحدة لقلت ما أرغب أنا في قوله، ولم أجب على أسئلتك التي لا توصل رسالتي. كان عليك أن تخبرني منذ البداية”.
الطلاب الفرنسيون احتجّوا على سوء التغطية الإعلامية برفع اللافتات على أبواب الجامعات “ميديا... اغربي عن وجهنا”. صمموا ملصقات تنتقد المحطات التلفزيونية المرتبطة بـ “رأس المال” والشرطة. تضمنت تحركاتهم مجموعة قرارات منها “عدم الإدلاء بأي حديث صحافي إلا من خلال البيانات المطبوعة أو عبر متحدثين رسميين”. كما منعت وسائل الإعلام من متابعة المحاضرات التي يعقدها الطلاب في الجامعات.
الإعلام الفرنسي لم يقف متفرجاً. طُرح الموضوع للنقاش في الوسائل الإعلامية وخصص له الإعلامي الفرنسي دانييل شنايدرمان حلقتين من برنامجه الأسبوعي (arret sur images) محملاً الإعلام المسؤولية.
أما في لبنان، فمن المؤسف أن تتصرف المؤسستان الإعلاميتان الأنجح كما النعامة، أو أن تتخذا سلوك الضحية. هناك مشكلة مهنية حقيقية يجب التوقف عندها، من دون أن يعني هذا أن المطلوب هو تبنّي خطاب المعتصمين. المطلوب مراجعة تحمي، على الأقل، مراسلي المحطتين من الإهانات التي لا يستحقونها.