القاهرة ــ محمد محمود
لو لا الفيلم الوثائقي الذي تقدمه قناة “العربية” هذا المساء عن المطربة التونسية ذكرى، لما تذكّر كثيرون أن 28 تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم صادف الذكرى الثالثة لوفاتها التراجيدية رمياً برصاص زوجها أيمن السويدي الذي قتل نفسه ومدير أعماله وزوجته في الليلة نفسها.
وعلى رغم ما قدمته المطربة الراحلة من أغنيات ناجحة، قلّة من القنوات الموسيقية اهتمت بأرشيفها الفني، ونادراً ما تبثّ أعمالها أو تخصص لمشوارها أي برنامج يذكر. الأغرب من كل ذلك أن حياة ذكرى ووفاتها المأساوية تصلح كي تكون مادة دسمة لمسلسل رمضاني مثير إذا تذكرها كتاب الدراما اللاهثون وراء سير المشاهير الذاتية. حتى إن قصتها تصلح للعرض من دون ذكر اسمها، فالعمل الدرامي في هذه الحالة سيشتغل على صاحبة صوت استثنائي تسعى الى الشهرة والأضواء، وتحاول جاهدة البحث عن الأمان من خلال الارتباط برجل تحبه. لكن عوائق كثيرة حالت دون تحقيق المطربة الشهرة التي تستحقها، والزوج الذي بحثت عنه طويلاً أنهى حياتها بتفريغ 15 رصاصة في جسدها...
اشتهر أيمن السويدي بحبّ الفنانات والسلطة والنفوذ. ارتبط لفترة قصيرة بحنان ترك ثم تزوج الراقصة المصرية هندية. وبين ترك وهندية، عاش السويدي صولات وجولات مع ممثلات ومطربات عدة، قبل أن يقع في حب ذكرى، ويطبّق حرفياً مقولة “ومن الحب ما قتل”. لم يعلم أحد ما الذي حصل في تلك الليلة. لكن كثيرين، بينهم الممثلة كوثر رمزي التي قصدت منزل ذكرى قبل دقائق من وقوع الجريمة، أكدوا أن الخلافات الزوجية وغيرة السويدي الجنونية، أفقدته صوابه فأطلق النار على ذكرى ومدير أعماله وزوجته. وكان السويدي قد حاول مراراً إقناع ذكرى باعتزال الفن، لكن المطربة التونسية التي خاضت معارك شرسة حتى نالت قسطاً من الشهرة في معظم الدول العربية، خصوصاً مصر والخليج العربي، لم توافق على طلبات الزوج الملحّة. زادت شكوك السويدي، واتهم ذكرى في تلك الليلة بخيانته مع مدير أعماله، قبل أن يقتلهما وزوجة مدير أعماله ثم ينتحر. ولم ينجُ سوى الخادمتين والممثلة المغمورة وفؤاد الشاعر، مدير أعمال ذكرى، ومجموعة من الفنانين كانت ذكرى والسويدي بصحبتهم في مطعم قبل العودة إلى المنزل.
على الصعيد الفني، لم تكن حياة ذكرى عادية. وفيما أكد النقاد والملحنون أن صوتها ظاهرة غنائية وخامته نادرة، لم تحظ المطربة بالدعم والانتشار المطلوبين. بعد الغناء في تونس، التقت هاني مهنا الذي طلب منها الانتقال إلى القاهرة، وقدم لها في عام 1994 ألبوم “وحياتي عندك”. ثم توالت الألبومات في مصر (“الأسامي”، “الله غالب”، “يانا”، “حيرتني”...). اشتهرت ذكرى بعدم تنازلها عن قناعاتها الفنية لحساب مقولة “الجمهور عاوز كده”، وحققت النجاح قبل أن تبدأ بمغازلة أهل خليج. هناك أيضاً لاقت ألبوماتها الخليجية الرواج. وفي محطتها الأخيرة، انضمت إلى “روتانا” التي قدمت لها آخر ألبوم “يوم عليك”. وفيما كانت جثة العانس بنت محمد (اسمها الحقيقي) توارى في الثرى في تونس، كان ألبومها يسجل نسبة مبيعات عالية في سوق الكاسيت. بعد ثلاث سنوات من رحيلها، يزور برنامج “محطات” منزل ذكرى ويتحدث مع ورثـــــــــــتها الـــــــذين عرضوا منزلها للبيع، ويسألهم كيف طويت قضية مقتلها؟

التاسعة والنصف مساء على “العربية”