ريتا شاهين
أصيا أو «أصيا الفخار» بلدة بترونية شمالية ارتبط اسمها منذ أربعة آلاف سنة بصناعة الفخار. تعلو عن سطح البحر 900 متر، مساحتها حوالى عشرة ملايين متر مربع، وعدد سكانها 1500 نسمة.
عرفت صناعة الفخار في هذه البلدة مدى عقود طويلة من القرن الماضي عصراً ذهبياً. ولكن نجمها بدأ يأفل مع انتشار الأواني الحديثة المصنّعة من البلاستيك والألومنيوم والتيفال وغيرها. وراح المستهلكون يستغنون عن الفخار رغم أن دراسات علمية عديدة أثبتت أنه لا يشكل أي ضرر على صحة الإنسانالمعمّر أبو شكيب (104 سنوات) يعشق أن يتحدث عن تجارة الفخار وبيع الإنتاج بالمقايضة، وقال: إنهم كانوا يحملون بضائعهم من مقالي بيض وقدور وآنيات فخارية إلى بشري وبعلبك وزغرتا وعكار والكورة سيراً على الأقدام وعلى ظهور البغال والحيوانات، ويبيعونها مقابل المواد الغذائية كالبطاطا والتفاح والعدس والحمص والقمح والشعير وسائر الحبوب.
أما بالنسبة إلى أم فارس فقد كانت صناعة الفخار مورداً رئيسياً لتأمين الدخل المالي ويُعتمد عليها لتحصيل أسباب الرزق، أما اليوم، فقد قلّ عدد مزاولي هذه الحرفة الأصيلة. وتؤكد: “أحب كثيراً هذا العمل اليدوي وقد ورثته عن أهلي وأجدادي وسأورثه لأولادي من بعدي”. ويُعاون أم فارس في صناعة الأواني الفخارية شقيقتها سلمى، فتتقاسمان العمل والرزق والأحاديث وحتى الذكريات، ويقصدهما العديد من أبناء البترون ومناطق لبنانية أخرى لشراء «مقالي البيض» وغيرها من الأواني الفخارية، لكن المردود ضئيل ولا يؤمن القوت أمام غلاء الحياة والمعيشة الصعبة، كما تؤكد أم فارس وزملاؤها من مزاولي هذه الحرفة.
صناعة الأواني الفخارية تتم عبر مراحل متعددة، والمواد الأولية التي تحتاج إليها متواضعة وبسيطة وهي تراب الفخار الذي يستخرج من الأرض، وملح القاق الممزوج بالماء (كل تنكتين من التراب تحتاجان إلى تنكة من ملح القاق). يستخرج التراب من الأرض ويُشمّس حتى يجف، ثم ينخّل لكي يُنقّى من الشوائب، بعدها يُنقع في الماء، ويُترك جانباً ليومين فقط، بعد ذلك يفصل التراب عن الماء ثم يضاف إليه ملح القاق المدقوق جيداً، وتعجن عجينة الفخار لتصبح متماسكة وطرية في الوقت نفسه ويعطى لها الشكل المطلوب.
في اليوم التالي، يتم تحسين شكل العجينة من الداخل والخارج ويترك من جديد الى اليوم الثالث ليدلّك ويقشّر لتنظيفه وتعديل مواصفاته. بعد خمسة عشر يوماً تجفّ العجينة تماماً، وتصبح قابلة للشيّ في فرن كبير على الحطب حتى يحمرّ لونها، وتصبح صلبة غير قابلة للتفتيت، وهو ما يسمح عندئد باستعمالها وتسويقها.
الفخار هو من المواد الطبيعية الأصيلة الخالية من المشاكل الصحية، لكن الكارثة الكبرى التي يتعرض لها هذا القطاع الحرفي الحر ستؤدي حتماً الى انقراضه وزواله بعد سنوات ليست ببعيدة إذا لم يتم تشجيع هذه الحرفة ودعمها لكونها تنهار، ولتراجع عدد العاملين فيها. ولكن ثمة من لا يزال مصرّاً على القيام بالحرف “البدائية” كما يسميها البعض، على أمل أن يلتفت إليهم أصحاب القرار في البلاد.