فيما الأشكال الإبداعية المتعارف عليها تعيش المأزق الذي نعرف، هناك أشكال بديلة، تواصل تقدمها نحو مزيد من الانتشار والشرعيّة. هكذا فازت اللبنانية كريستين طعمة بـ «جائزة برنس كلاوس»، هي التي راهنت منذ أكثر من عقد على الفنون المعاصرة من خلال جمعيّتها «أشكال ألوان»، وأطلقت جيلاً جديداً من المبدعين. وقد أطلقت ندين توما “دار قنبز” فاحتل المشهد عدد من الرسامين الجدد. وكانت حرب تموز بمثابة الصدمة التي دفعت جيلاً جديداً إلى بلورة تجارب راديكاليّة في الموسيقى والفنون البصريّة على السواء...
رحيل



عميد الرواية العربية الذي لم تقو عليه يد الإرهاب، تمكّن منه تعب العمر أخيراً. بغياب نجيب محفوظ، انطوى عصر كامل من تاريخ الأدب العربي. وشُيّع صاحب نوبل في جنازة رسمية مهيبة غاب عنها “حرافيشه”. كما خسر المسرح العربي الكاتب عصام محفوظ، أحد رموز نهضة السبعينيات الذي أعلن في «بيان مسرحي رقم واحد» الولادة الرسميّة للمؤلّف المسرحي الحديث في لبنان. انتقل من الشعر إلى المسرح، ومنه إلى التراث التنويري، فالصمت. ومات صاحب «الزنزلخت» وحيداً ومنسياً على فراش المرض. وفي دمشق انطفأ محمد الماغوط، “الكناري المسافر في ضوء القمر”، أحد ألمع رموز قصيدة النثر.




إصدارات

غمرت الخيبة كل المعنيين بصناعة الكتاب، من ناشرين ومؤلفين وقرّاء، بعد اضطرار “النادي الثقافي العربي” إلى إلغاء معرض بيروت العربي الدولي للكتاب. لكن عناوين أدبية بارزة صدرت هذا العام، في مختلف المجالات الابداعية، يضيق المجال عن حصرها هنا. نكتفي بالتوقف عند ديوان محمود درويش الأخير “في حضرة الغياب” (دار الريّس)، وفيه يرثي الشاعر نفسه على طريقة الشاعر الصعلوك مالك بن الريب. وفي مجموعته الشعرية “ب ب ب” (دار الساقي)، يقف عباس بيضون على قارعة المدن بين بيروت وباريس وبرلين. أما أدونيس، فيواصل كتابته الاستشرافية في “تاريخ يتمزق في جسد امرأة”(دار الساقي)، عبر قصيدة دراميّة طويلة، كتبها في باريس بين 2005 و2006.
وقد أصدر إلياس خوري رواية بعنوان “كأنها نائمة” (دار الآداب)، تتحدث عن امرأة لبنانية في أربعينيات القرن المنصرم. وكانت روايته السابقة “باب الشمس” قد حققت رواجاً في الولايات المتحدة، وفاز مترجمها إلى الإنكليزيّة همفري ديفيز، بجائزة “بانيبال” للترجمة في بريطانيا.
وصدرت الترجمة الفرنسية لرواية رشيد الضعيف “إنسي السيارة” بتوقيع إيف غونزاليس كيخانو (Actes Sud). كما أصدرت الكاتبة المصرية فريدة النقاش كتاباً نقدياً بعنوان “أطلال الحداثة” العربية (سلسلة كتاب “الهلال” ــ القاهرة) تراجع فيه مشاريع الحداثة.




قضايا

حملة تكفير المثقّفين استمرّت هذا العام من المغرب الى السعودية، مروراً بمصر. الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري أثار الانتقادات، بعد نشر مقتطفات من كتابه «في التعريف بالقرآن». فيما أسيء تفسير كلام للمفكّر المصري حسن حنفي، بعدما اجتثت إحدى الصحف تشبيهاً عابراً له، فبدا كأنّه يسيء الى النص القرآني. عبد الله الغذامي الذي صدرت طبعة جديدة من كتابه “السيدة أمريكا”، أقام الدنيا في السعودية... إذ تحوّلت ندوة يشارك فيها إلى مواجهة ساخنة مع شباب ينتمون الى التيار السلفي، بعد تناوله للزواج بين المسلمين والمسيحيين في العراق... وصل بعضهم الى اتهامه بأنّه من “أهل البدع”.
وأعاد باحث فلسطيني غير معروف، يقيم في دمشق، تسليط الضوء على التاريخ الملتبس للأديب الكبير إميل حبيبي، بعد عقد على رحيله. في كتابه “إميل حبيبي: الوهم والحقيقة”، يعتبر خضر محجز أن “المتشائل” بطل الرواية التي أسست لمنحى خاص في الأدب الفلسطيني، المتعامل مع العدو الإسرائيلي، ليس سوى الوجه الآخر لإميل حبيبي.
وفي ألمانيا تعرّض صاحب نوبل غونتر غراس لحملات قاسية، بعد اعترافات متأخرة ضمن مذكراته، بانخراطه في الجيش النازي، أيام شبابه الأول. فيما انبرى كتّاب كبار، بينهم زميله البرتغالي ساراماغو حائز نوبل أيضاً، للدفاع عن صاحب “الطبل الصفيح”.




مهرجانات

انهالت المهرجانات السينمائية على العالم العربي لا نعرف إن كانت مطمئنة أم مريبة. وحده لبنان، الخارج من العدوان احتضن 3 مهرجانات في شهرين. «أيام بيروت السينمائيّة» (هانية مروّة وإليان الراهب) أعادت الى المدينة بعضاً من ألقها. ولم يحقق «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» (كوليت نوفل) النجاح المتوقع. وجاء «مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية» ليعرض أشرطة على قدر كبير من الأهميّة سياسيّاً وجمالياً. وإذا كان “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي” و“أيّام قرطاج” التونسي راهنا على سينما المؤلّف، فـ“المهرجان الدولي للفيلم” في مراكش، ومهرجان دبي السينمائي الدولي، راهنا على النجومية... في القاهرة، اقتحم الشاشة جيل جديد: خالد الحجر في “حب البنات”، عماد البهات في “استغماية”، هالة خليل في “قص ولزق”.




سينما

موعدكم مع دراكولا كلّ مساء في... شارع الحمراء! بهذه الكلمات أعلنا عن انطلاق “أطلال” (بطولة كارلوس شاهين)، فيلم غسان سلهب الروائي الثالث الذي يمكن اعتباره أبرز أحداث السينما اللبنانية. وقّع سلهب تجربة ناضجة تعيد الاعتبار إلى الفن السابع في أجمل تجلياته وأكثرها طليعيّة. وحول تيه الشباب اللبناني، تدور باكورة ميشال كمّون في مجال السينما الروائية. وقد حاز فيلمه “فلافل” (بطولة إيلي متري) جوائز عدة في مهرجانات عالميّة. وقدمت مي المصري شريطاً وثائقياً يعرّي أسطورة 14 آذار، بعنوان “يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب”، حقق بدوره حضوراً لافتاً.
وعلى مستوى السينما العربيّة، نتوقّف عند “آخر فيلم” (بطولة لطفي عبدلّي) للمخرج التونسي نوري بوزيد الذي حاز الجائزة الكبرى في “أيام قرطاج السينمائية”. في فيلمه الروائي السادس يلامس هذا المخرج والسيناريست المميز، المحظورات السياسية والأخلاقية والاجتماعية في تونس والعالم العربي.




مسرح



يصعب القول إنّها كانت سنة خصبة بالنسبة للمسرح العربي. هذا لم يمنع دمشق من استعادة مهرجانها العريق واستقبل عروضاً فلسطينيّة أبرزها "الجداريّة" (عن نصّ درويش). وحقق العراقي جواد الأسدي في "حمام بغدادي" رواجاً، من دمشق إلى القاهرة، وفاز ممثلاه فايز قزق ونضال سيجري بجائزة التمثيل في "مهرجان المسرح التجريبي".

وفي لبنان جاءت تظاهرة "المسرح مدينة مفتوحة" ــ الفرنكوفونيّة بالمعنى الكاريكاتوري للكلمة ــ لتسلّط الضوء على خواء ثقافي، يزيد من حدته بؤس مسرحيي الجيل القديم أنفسهم. ومع ذلك لفت روجيه عسّاف الانتباه بمشروع مسرحية عنوانه "بوابة فاطمة"، يحمل خطاباً سياسياً راديكالياً، ويستعيد تقنيات "مسرح الحكواتي". فيما أوجد ربيع مروّة حالة خاصة في تجاربه المغايرة، تقوم على الصورة وتراهن على الغياب.

وراوح المسرح التونسي مكانه، على خلفيّة منع "خمسون" الفاضل الجعايبي بعد نجاحها في باريس. وأتت المفاجأة في الأيام الأخيرة من 2006، إذ سمح وزير الثقافة بعرض العمل... لكن أبواب "المسرح البلدي" لم تفتح له بالكامل بعد...




ظواهر

لم تخطئ أحلام مستغانمي عندما وصفت ما يحدث اليوم في الرواية السعودية بـ «تسونامي». يشهد النشر في بيروت ظاهرة اسمها الأدب الايروسي السعودي! انهالت هذا العام الأعمال الجديدة: صبا الحرز «الآخرون»، وردة عبد الملك «الأوبة» وصولاً إلى «حب في السعودية» للمسرحي والناقد إبراهيم بادي، و «اختلاس» باكورة الصحافي المعروف هاني نقشبندي. بصرف النظر عن المستوى الأدبي المتفاوت للروايات، تحدّث النقاد عن «سلعة» سعودية تغزو الأسواق على شكل رواية!




عودة فيروز

لم يصدّق أحد أن فيروز ستقف أخيراً على المسرح بعد طول انتظار... وأن “صح النوم” ستعرض بعد أن تأجّلت أكثر من مرّة. لكن “الأعجوبة” الرحبانيّة حصلت فعلاً. في الخارج كان الشعب يهتف ضد الحكومة، مساء اليوم الأول للاعتصام. وعلى خشبة الـ“بيال” وقفت قرنقل (فيروز) تهتف ضد الوالي (أنطوان كرباج) المتسلّط المرتشي الذي يفضل النوم على خدمة الناس.
هكذا هو التراث الرحباني، نخاله صالحاً لمتاحف الفولكلور، فإذا به مادة خطيرة قد تنفجر بين أيدينا في أي لحظة: المسرحية المبنيّة على حكاية شعبية (1970)، تتميّز بنفَس انتقادي للبيروقراطية والفساد الإداري. وتـــــــدعو إلى ضرورة المشاركة الشعبية والإصلاح الإداري! الواقع اللبناني انبعث على الخشبة، من خلال تراث عاصي ومنصور. وصفق الجمهور بحرارة لفــــــــيروز التي عادت بكل بهائها، وانتصرت لـ«الأهالي الناطرين» في أوبريت رحبانيّة بامتياز، تقوم على مونولوجات مغنّاة، جاء زياد الرحباني وأعاد إحياءها بلمساته الخـــــاصة، نافــضاً غبار الماضي عن تسجيلاتها الموسيقية.




فنون بديلة

لعل العام المنتهي هو عام الفنون البديلة بامتياز. اللبنانية كريستين طعمة بـ“جائزة برنس كلاوس”. وكانت حرب تمّوز الأخيرة كصدمة دفعت جيلاً جديداً إلى بلورة تجارب راديكاليّة في الموسيقى والفنون البصريّة. نشير مثلاً إلى حفلة الموسيقى المرتجلة الحرة “حرب تموز” التي قدّمها الثنائي مازن كرباج ورائد ياسين... وإلى تجربة فرقة SCRAMBLED EGGS مع موسيقى الروك البديل، كما تجلت في أسطوانة “سعداء معاً، أشقياء إلى الأبد”. وانعكست الصدمة على المعرض الذي نظمته ساندرا داغر في بيروت، وضمّ مثلاً عملاً لزينة الخليل بعنوان “حسن نصر الله سوبرستار”. وإذا كان الغضب هو الأب الشرعي لموسيقى الراب، فإن التجربة الفلسطينيّة خير دليل على ذلك: 10 فرق راب فلسطينية ــ أبزرها “دام” ــ أبصرت النور خلال العقد الأخير، وكلّها طالعة من رحم الغضب.




جوائز

“نوبل” الآداب للكاتب أورهان باموق، صاحب رواية “ثلج”، جاءت هديّة مسمومة لتركيا، ووضعتها أمام صراعاتها: الانغلاق على الهويّة القوميّة أو الخيار الأوروبي؟ وكانت “غونكور” من نصيب أميركي لا يتقن لغة موليير حسب الشائعات! جوناثان ليتل في “المتسامحات” يغامر بأنسنة ضابط نازي خلال الحرب العالميّة. ولم يكن أحد يتوقّع أن تصبح الهنديّة كيران ديساي أصغر مؤلّفة تدخل مملكة “بوكر” البريطانية، عن روايتها“إرث الفقدان”. وفازت الفلسطينية سحر خليفة بجائزة نجيب محفوظ، عن روايتها “صورة وأيقونة وعهد قديم” التي تحكي ضياع القدس.