بيار...
عرض “الجدار” لـ“مسرح القصبة” في رام الله، الذي ســـــــبقت لنا مشــــــــــــاهدته في طوكيو ثم في تونس (تأليف جماعي، إخراج جورج إبراهيم)، هو امتداد لتجربة سابــــــــــقة للفرقة هي “قصص من زمن الاحتلال”. يتألف من مجموعة لوحات متقاطعة ومــــــــتداخلة، تدور حول جدار الفصل العنصري الذي أقامته اسرائيل في فلســـــــــــــطين. وتستعيد حكايات مواطنين عاديين، أحلامهم المجهضة وتطلّعاتهم المقموعة إلى العيش والحبّ والحرية والتجوّل في أرضهم، والحصول على أبسط حقوقهم الإنسانيّة. وتحمل السينوغرافيا توقيع الفنّان الياباني نوبورو تسوباكي الذي أعاد تجسيد الجدار، في أجزاء متحركة تتشكّل تبعاً لضرورات المشهد.
العمل قائم على لغة السرد التي تعتمد تقنيات التغريب البريختي، بهدف إيصال الخطاب السياسي ودفع المتفرّج إلى “الوعي”. ممثلو “الجدار” رواة بالدرجة الأولى، يتنقّلون بين لعبة الحكي وتقمّص الشخصية التي تدور حولها القصّة (تمثيل أحمد أبو سلعوم، إسماعيل دباغ، حسام أبو عيشة، دورين منير، عماد فراجين، منال عوض). أما النص، فيتشكّل من مجموعة مشاهد تتقاطع بديناميّة، قام المخرج بهندستها في فرجة شعبية، تعتمد مختلف اللهجات المحليّة، وأشكال الموروث الغنائي والموسيقي والأمثال الشعبية والرقص والمفارقات المضحكة المبكية.
رواة جورج إبراهيم ينطلقون من سور القدس، وإليه يعودون: المعلّمة التي تحلم بفستان جديد لن تلبسه لأنّها لن تتمكّن من الوصول الى المدرسة. بائع الجرائد يحلم بشيء واحد هو السفر، ويعتقله الجنود في مطار تل أبيب. ليلى تريد أن تذهب إلى جدّتها... لكن الطريق في “الغيتو” الفلسطيني حافلة بالذئاب والجنود. مصممة الأزياء وبائعة الملابس التي ازدهرت تجارتها بعد أوسلو، ظل معرضها للملابس يصغر، حتّى صار “بقجة” تحملها وتدور بها وليس من يشتري... لكنّها لم تتخلّ عن تفاؤلها! وماذا عن السجين الذي يحلم بلقاء زوجته بعد ربع قرن من الاعتقال؟... والعريس الذي لا يعود بإمكانه الوصول الى منزل العروسة يوم الزفاف بسبب الجدار؟... وصولاً الى مشهد هاملت الفلسطيني المصلوب الذي يطالعنا بالمونولوغ الشهير: “أكون أو لا أكون... تلك هي المسألة”.