strong>بيار أبي صعب
«سوبرمان» وحسن نصر الله، من أبرز ضيوف المعرض الجماعي الذي تستضيفه حالياً غاليري SD بعنوان «نَفَس بيروت»، بمشاركة أربعين مبدعاً شاباً يستعيدون معاناتهم خلال العدوان، ويتأرجحون بين تذكّر ونسيان

“نَفَس بيروت” معرض من نوع خاص، على قدر من العفويّة، وهنا نقطة قوته. أربعون فنانة وفناناً معظمهم دون الثلاثين، يعرضون أعمالهم المختلفة التي أنتجت خلال الشهر الصعب. إشكالية التذكّر والنسيان طاغية على أعمال المعرض الذي يستمرّ حتّى أواسط الـشهر الجاري. المبدعون الشباب الذين يشاركون فيه، من شعراء ومصوّرين ورسامين وموســـيقيين وفـــــناني فيديو وتجهيز... ينتفضون ضدّ النسيان، أو يوغلون فيه بحثاً عن ملاذ. إنهم يعرضون هنا آثار الحرب عليهم، يتقاسمون معنا أسئلتهم وأسرارهم، خوفهم وحيرتهم وغضبهم، سخريتهم وتأملاتهم.
روينا حرب (1977) اختارت للوحتها البيضاء الممزقة بلطخة أكثر بياضاً، عنواناً معبراً “لا أشعر بعد الآن برغبة في الكلام... لقد نسيت أصلاً ما الذي شعرت به”. إن تكرار الحروب وتراكم الصور أصابها بحالة من فقدان الإحساس. لا يعني ذلك أنها نسيت، كل ما في الأمر أنها اعتادت الأمر، وقلبت الصفحة. وبين الأعمال اللافتة تجهيز فيديو نفذته الفنانة الفلسطينية ــ الأردنيّة عريب طوقان من نيويورك خلال العدوان. الشاشة مقسومة الى جزءين: لقطة ثابتة على حنجرة نسائية تتنفّس، وقربها يد تمسك قشّة، وتسحب تدريجاً كلمات كتبت بالبودرة البيضاء (كوكايين؟)، فتمحوها. العبارة هي: “ذكّرني أن أتذكّر كيف أنسى”. في الاتجاه نفسه تذهب النصوص التي كتبها وسام نوشي خلال حصار بيروت: “تذكّر أن تنسى بيروت”.
عزيزي نبيل فوزي
أما رائد ياسين (1979) فلا يبدو أن صديقه نبيل قد نسيه في الأيام العصيبة. كان يتصل به كل يوم خلال فترة الحرب،كما يخبرنا. وقال له إنّه أرسل على صندوق رائد البريدي، طرداً مليئاً بنسخ الفوتو كوبي لصورة جواز سفره. ولم يعرف رائد ماذا يجيبه في تلك الأيام الحرجة، لكنّه حتّى الآن لم يتسلّم الطرد بعد. نبيل ــ لمن لا يعرفه ــ ليس سوى نبيل فوزي الوجه الآخر لسوبرمان... وقد استنجد به الفنان، وبسائر رفاقه: الرجل البرق والرجل الوطواط في صياغة مشروعه المفاجئ “ن. ب. سوبر يوميّات”. وكل عمل مذيّل بملاحظات عن محتوى الشريط الصوتي المرافق له (هاجس رائد يس الدائم): أغنيات وأصوات قصف وذبذبة إسرائيلية على راديو “صوت الشعب” وأغنيات وخطابات...
في المعرض لوحة ـ خارج السياق ـ للفنانة البارزة غريتا نوفل بعنوان exodus الذي يحمل أصداءً تاريخية وسياسية واضحة: رجلان يحملان شيئاً من المتاع ويمضيان باتجاه الأفق. ويصوّر كريستوف قطريب (1976) طائرة مروحية تخلي رعايا أجانب في ثلاث لقطات. فيما ترسم ماريا كسّاب وترسم، في “تقطيب الجراح”، مشاهد من حياتها وكوابيسها في قلب الظلمة. وتصوّر جوان عيسى (1984) هوامش الحرب، عبر برّادات ممتلئة بالطعام، وأجساد ممدّدة بين موت واستلقاء. ويقدم حسام حوّا (1981) ثلاثيتين فوتوغرافيتين: الأولى في الضاحية والثانية في جنينة الصنائع التي التجأ اليها المهجّرون. وتقترح هالة دباجي (1981) ثمانية رسوم مركبة كالتي تقوم بها الشرطة للمطلوبين، انطلاقاً من أوصافهم: أولمرت وبولتون وكوندي وبلير وبوش وبيريتز... ويقدم غسان غزال (1961) تجهيزاً بعنوان “نفَس” هو كناية عن صندوق بلاستيكي شفاف مستطيل في داخله ريش، وبوسع الزائر أن ينفخ فيه الهواء عبر دعسات موزعة حول المكان.
مرتجع للمرسل
سينتيا كرم (1979) التي وجدت نفسها في “منفى قسري” بعد اندلاع العدوان، فراحت تبحث عن وطنها على شاشات البلاسما في الفنادق والميترو والمقاهي وواجهات المتاجر في برلين. رندا ميرزا (1978) تضيف نفسها إلى صورة مسعفين لضحايا القصف، تنظر باتجاهنا وفي يدها جهاز التحكّم بالتلفزيون. عملها المركّب “بورتريه ذاتي بالريموت كونترول” معروض على شاشة تلفزيون. إنها تريد أن تطفئنا، كي نتوقّف عن التفرّج البليد على المجزرة! وتطالعنا جنى طرابلسي ولينا مرهج برسومهما التي تمزج بين عفويّة ساخرة ومرارة بريئة تكتفي بمراقبة العالم. فيما تقدّم لينا حكيم (1979) تجهيزاً بعنوان “6 بندورة”، أكياس إعاشات ملأتها بالونات، ورسمت عليها وجوه الصبية المهجرين الذين عملت معهم خلال الحرب. وقد لملم عبد الله كحيل بقايا كتب وصور وحاجيات شخصية من بيته المقصوف في النبطيّة، وصاغ منها تجهيزاً بعنوان غريب “بيت لم تسكنه أنّا فرانك، وكتاب لم تكتبه”.
وفجأة يجد الزائر نفسه أمام صندوق زجاجي مثل صناديق الاقتراع، وحوله على الأرض قصاصات ورق سرعان ما يكتشف أنّها تقليد للمناشير البغيضة التي رمتها طائرات الغزاة فوق لبنان، وكانت تبدأ بعبارة «الى السكان اللبنانيين». في «مرتجع للمرسل» تتعامل فاديا كسرواني عبّود وميسا علم الدين، بذكاء وديناميكية مع أدواتهما. على الطاولة ختم بريدي على شكل إبهام مسدد، وأقلام عدّة. والزائر مدعوّ الى كتابة ما يريد على المنشور قبل وضعه في الصندوق. وستعاد تلك المناشير الى وزارة الدفاع الاسرائيلية!
تبقى «قطعة» زينة الخليل التي رسمت حسن نصر الله كما فعل اندي وارهول مع مارلين وماو. العمل بعنوان «سوبر ستار»، وتوضح زينة أن السيد حسن بات في أيام الحرب البطل الذي تنتظره «بغض النظر عن قناعاتها السياسية»، وقد رسمته في حلّة بوب ستار، عساها تقترب أكثر من ذلك الشخص الذي اتخذ على حين غرّة، مكاناً واسعاً في حياتها.
ولا بد أخيراً من الاشارة الى عملين صوتيين واحد لشربل هبر والآخر لمازن كرباج يمزج فيه بين الترومبيت وصوت القصف. كما يقدم المعرض نصوصاً شعرية لأنطوان بولاد وجومانا مكرزل وريتا بدّورا وكارولين حاتم.