strong>سعد هادي
الجواهري قال مرةً لنداء كاظم عندما كان يعمل على تمثاله: “ما أجمل الطين الذي نُصنع منه نحن البشر”، فيما قال رشدي العامل: “أريد ان تنتهي من التمثال لكي أعرف ما يفصلني عن نهايتي”. أمّا مظفر النواب فقد بدا هادئاً في جلسات النحت التي جمعته بكاظم. كان يمضي الوقت في سرد ذكرياته عندما كان طالباً في الخمسينيات يدرس اللغة العربية في كلية الآداب. تحدّث عن مرسمها الذي اعتبر علامة متميزة في تاريخ الحركة التشكيلية العراقية.
سيشكل التمثال الحالي نموذجاً لتمثال آخر سيوضع في شارع النواب الذي سكنته عائلة الشاعر العراقي واستمدت اسمها منه. يقول نداء كاظم إنّه كان يفكر في إنجاز تمثال لمظفر النواب منذ مطلع السبعينيات حين التقاه على هامش مهرجان شعري لكن الظروف حالت دون ذلك.
لكن ما الذي تغيّر في مظفر في ثلاثين سنة؟ “ما زالت صورته في ذهني كما هي” يجيب نداء كاظم بسرعة “ما زال شاعراً جريئاً قادراً على التحريض. ربما تغيّرت ملامحه بسبب تقدمه في السن، لكن ذلك لا يعني شيخوخته شاعراً. سأحاول أن أنقل انطباعي عنه، كرجل ذي مواقف أخلاقية لا تعرف المهادنة. سأحافظ على ملامح الوجه، لكني سأتصرف بجسده. سأعمل على يديه أيضاً لتظهرا كما هما في الحقيقة. يخطئ النحّاتون باهتمامهم بملامح الوجه فقط. فاليدان تمثّلان جزءاً حيوياً من الشخصية”.
وفي هذا الاطار، يتذكر كاظم كيف نحت يدي السيّاب. “حاولت من خلال أصابعه النحيفة والرشيقة أن أعكس شخصية الشاعر والانسان معاً. استحضرت صورته عندما كان يدرّسنا اللغة العربية في البصرة. كانت أصابعه تفصح عنه بخفة وتوتر أكثر مما يفصح به لسانه. قال لي مرة صديقه الراحل جبرا إبراهيم عندما رأى التمثال “هذه صورته بالضبط. هذا ما حاولته في تماثيل الشخصيات الأخرى وما أحاوله الآن”.
يستمر النواب في سرد ذكرياته خلال الجلسات، يتحدّث عن سجنه في الخمسينيات والستينيات، وعن علاقاته بأبناء جيله، ما الذي تبقى من ذكرياته عن بغداد وقصائده التي كتبها خلال غربته الطويلة. يتحدث أيضاً عن وضعه الصحي وحاجته الى عملية جراحية.
في نهاية الجلسة الأولى، لمسَ الطين وقال لنداء كاظم: “من الأفضل أن يظل طرياً لوقت طويل، الطين أجمل وأكثر تعبيراً”. حين رأى ملامحه على وجه التمثال بدا مرتاحاً، بل اكتفى بالمرور من أمامه والخروج بهدوء تاركاً للآخرين أن يقولوا كلمتهم عنه وعن التمثال.