strong>فريبورغ (سويسرا) ــ دينا أبي صعب
هل رجال المقاومة «يسكنون الجبال ويشبهون بن لادن ويحملون أسلحة صدئة سوفياتية
الصنع»؟ الإعلام الغربي يغصّ بالأفكار المسبقة التي جاء فريق سويسري لتبديدها، برفقة سهى بشارة. هل يعرض الفيلم على TV5؟

في تموز (يوليو) الماضي، كانت سهى بشارة نجمة عشرات المحاضرات والمناظرات التلفزيونية في جنيف، والعنصر المحرّك لتظاهرات عمّت معظم المدن السويسرية. كانت تغلي على المنابر. تصرخ عالياً أمام حشود حملوا أعلاماً لبنانية وفلسطينية ولافتات كتب عليها “بوش وأولمرت سفاحان”، مطالبة بوقف العدوان، وضرورة المقاطعة الشعبية والرسمية لإسرائيل. وما إن انتهت الحرب حتى عادت سهى إلى الجنوب. قبلت أن ترافق فريقاً تلفزيونياً جاء يصوّر شريطاً وثائقياً عن الجنوب و“حزب الله” لمصلحة القناة السويسرية الرسمية الثانية.
يهدف الفيلم إلى نقل معاناة القرى الجنوبية وصمود رجال المقاومة، إلى مشاهد سويسري، من المفترض أن يكون حيادياً، ولا يعرف الكثير عن هذا البلد.
تسعة أيام جال فيها فريق عمل TSR على قرى الضاحية والجنوب، ليروي بالصورة ما خلفته حرب تموز من دمار، كاشفاً قصصاً لم يعتد الغربيون مشاهدتها. أما الراوية فهي ابنة هذا البلد، تختلف عن حزب الله في انتمائها اليساري وديانتها المسيحية، لكنها تشبههم في نضالها ضدّ محتلّ اغتصب أرضها وأسرها عشر سنين في معتقل الخيام.
صورة حزب الله
ازداد اهتمام الإعلام الغربي بحزب الله مع تصاعد وتيرة الهجوم الاسرائيلي على لبنان. ومنذ اليوم الاول لحرب تموز، عملت وسائل الإعلام الأميركية على تقديم “حزب الله” تنظيماً إرهابياً اعتدى على اسرائيل وبادر الى قصف شمالها بترسانته الصاروخية الآتية من ايران وسوريا. إزاء هذا الواقع، تكونت لدى الرأي العام الغربي معادلة الحزب الارهابي المعتدي، مقابل اسرائيل الحليفة التي تمتلك حق الدفاع عن النفس.
من هنا، كان يخيّل للمشاهد الغربي أن حزب الله ليس سوى مجموعة رجال يسكنون الجبال النائية، لا يمتّون للمدنية بصلة... حتى إنّ بعضهم كان يعتقد أنهم لا يختلفون كثيراً عن “طالبان” أو عن بن لادن، يعيشون في المغاور والعراء، ويحملون أسلحة، غالباً ما تكون سوفياتية الصنع وصدئة.
لكن الشريط الوثائقي السويسري “سهى، عودة الى بلاد حزب الله”، حاول كسر تلك الصورة النمطية. دخل المراسلون مذهولين، ومستعينين بقدرة سهى “على فتح الأبواب المغلقة”، إلى بيوت عائلات أرسلت ذويها من دون تردد إلى مكان قد لا يعودون منه. مشت العدسة على التراب، تحدثت إلى أطفال يشبّون على “الله أكبر” و“الموت لإسرائيل”، ويتحلّقون أمام أجسام غريبة وقنابل عنقودية لم تنفجر بعد!
أدخل الشريط إلى البيوت الآمنة في جنيف وسائر المدن السويسريّة الهادئة، صوراً من معاناة لم تألفها عيون الناس هناك... قصص تتحدث عن طواحين الموت الذي ألّف جزءاً من حياة أهل الجنوب في الحرب. سرعان ما يكتشف المشاهد أن رجال “حزب الله” ليسوا “وحوشاً” بل أناساً عاديين، عرفوا خطورة موقعهم القريب جغرافياً من إسرائيل التي تهدد أمنهم منذ نشأتها وتمتهن فنون الحرب.
وفضلاً عن تسليط الضوء على النواحي الإنسانية لرجال المقاومة، يكشف الوثائقي أن “حزب الله” جسم متماسك، غارق في التنظيم وحسن الإدارة. وتنقل سهى مع زوارها كيف قدّم رجال المقاومة تعويضات مالية خاصة لأصحاب البيوت المتضررة من جراء القصف، وعملهم الدائب والمنظّم في رفع الأنقاض في الضاحية والجنوب، ثم إعدادهم لمهرجان النصر حيث “شاهدنا بحراً من مقاعد مصفوفة في مربعات محددة، غصّت بالناس”، كما يقول الصوت المعلّق في الشريط.
وفي الضاحية أيضاً، تعبر سيدة بين الركام. تصافح سهى بحرارة، كأنها كانت أمس معها. تتبادل الامرأتان عبارات الترحاب، قبل أن تتحدث المرأة بفخر عن بقائها أيام العدوان في منزلها القريب من حارة حريك.
لا شكّ في أن سهى بشارة خاضت حرباً شرسة لتسرق 52 دقيقة ثمينة من هواء القناة السويسرية. ونجح الشريط في تحقيق نسبة مشاهدة عالية عندما عرض ضمن برنامج “الوقت الراهن” قبل ثلاثة أيام. ويعرض قريباً على شاشة TV5 Monde الفرنسية.
فيلم “سهى، عودة إلى بلاد حزب الله” من إنتاج القناة السويسرية الثانية، وإخراج جان ــ بيرنار مونود وآن ــ فريديريك ويدمان. ويخشى الفريق الذي حقق هذا العمل اللافت والفريد ربّما على الشاشات الغربية، أن يمنع عرض الوثائقي أوروبياً وعالمياً، بسبب ضغط “اللوبي” الصهيوني. وكان فيلم “جنين” للمخرج الفلسطيني محمد بكري، قد واجه هذا النوع من الحصار، إذ صور معاناة الناس بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي مخيّم جنين وتدميره (2002). ويحاول الفيلم أن يلتقط شهادات حية لسكان المخيم، تحت وطأة العنف الإسرائيلي.