نجوان درويش
قبل خمسين سنة كانت مذبحة كفر قاسم، وفي هذه المناسبة تم افتتاح متحف لشهدائها وأُزيح الستار عن النصب التذكاري الجديد للفنان إبراهيم حجازي الذي أنجزه بالتعاون مع جمعية إبداع. وتوسّط النصب الجديد أحد شوارع كفر قاسم مقابلاً للنصب القديم.
آلاف شاركوا هذا العام في “فعاليات إحياء الذكرى”. وتضمنت زيارة للنصب التذكاري ومراسم المسيرة التقليدية إلى مقبرة الشهداء التي تُحيى في البلدة سنوياً.
الأمطار التي سقطت بلّلت الخطب والكلمات والبرقيات والقصائد التي تعاد منذ سنين، وغسلت النصب التذكاري والشوارع والحقول التي شهدت المذبحة وربّتت على أنصاب القبور التي أكملت عامها الخمسين.
وبدا قريباً جداً ذلك الاثنين التاسع والعشرون من أكتوبر 1956، يوم العدوان الثلاثي على مصر، ففي الساعة الخامسة من مسائه كانت مجموعة من أهالي كفر قاسم في طريق العودة إلى القرية التي فرض عليها “منع تجول” مباغت. حينئذ قامت قوات من “حرس الحدود” الإسرائيلية بارتكاب مجزرة مخطط لها راح ضحيتها 49 شهيداً منهم أطفال ونساء وشيوخ. ضابط “حرس الحدود” الإسرائيلي أعطى قرار الإعدام بكلمة واحدة: “احصدوهم”، وأضاف موضحاً لعساكره “ابحثوا عن أحياء وإذا وجدتم أحداً حياً فأطلقوا رصاصة على رأسه». وقد روى أحد الناجين أنه سمع عسكرياً يقول في الموقع الذي أعدمت فيه مجموعة من الفتيات: “طلقة واحدة في رأس كل فتاة”.. وأن الجملة ظلت تتكرر حتى توقفت الفتيات الخائفات عن الصراخ والتنفس.
منذ ارتكابها حاولت إسرائيل التكتم على المذبحة، وحين أجرت محاكمات شكلية لمرتكبيها؛ حُكم على بعضهم بعقوبات هزلية، منها غرامة مقدارها قرش واحد في حق أحد مرتكبي المذبحة! وها هو اليوم قرار وزيرة المعارف الإسرائيلية يولي تمير القاضي بتدريس مجزرة كفر قاسم في المدارس الإسرائيلية؟ يثير مسألة الموقف الإسرائيلي من جديد؛ ففيما عدّه البعض قراراً إيجابياً من وزيرة يسارية، عدّه بعض آخر ناقصاً ومتأخراً جداً ولا معنى كبيراً له في وقت لا تنقطع فيه الجرائم الإسرائيلية.
حملت مذبحة كفر قاسم رمزية استثنائية في الوعي الفلسطيني والعربي وظهرت في نسيج الأدب والفن الذي قُدّم بعدها، وخصوصاً في «شعر المقاومة» بحيث تحولت إلى رمز واستعارة. كما كانت مجزرة كفر قاسم موضوعاً لعدد من الأفلام من أبرزها فيلم “كفر قاسم” لمخرجه برهان علوية الذي أنتج عام 1974.
أما فيما يتعلّق بمتحف شهداء كفر قاسم فإن السؤال يبدو ملحاً عن الجانب الفني لهذا “المتحف” الذي يبدو أن القائمJين عليه قد غفلوا عنه. فجمع المتعلقات الشخصية للشهداء كصورهم ودراجاتهم الهوائية وبعض مقتنياتهم والوثائق المتعلقة بالمجزرة وبعض الأعمال الفنية لا يكفي وحده لصنع متحف.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى ضرورة “حماية” الشهداء من النيات الحسنة غير المدعومة بخبرة فنية تليق بالإرث الوطني والإنساني للشهداء وصورتهم. ولعل محمود درويش لامس جانباً من المسألة حين كتب في “ورد أقلّ”: “عندما يذهب الشهداء إلى النوم أصحو، وأحرسهم من هواة الرثاء”!