strong>فيصل عبد الله
منذ بدايتها، طرقت السينما باب التاريخ مرات عديدة. وكانت في كل مرة تطرح الأسئلة عينها: كيف يمكن المخرج أن يقارب الماضي بموضوعية ومن دون الإخلال بلغته السينمائية في الوقت عينه؟ وهل نجحت السينما في التنبيه الى حقائق أُسقطت عمداً من فصول التاريخ؟
يبدو في هذا السياق، عمل الجزائري رشيد بوشارب الجديد قادراً على الإجابة. إذ يــــــــــــعود في فيلمه “البلديون” أو “السكان الأصليون” ـــ الذي عُرض في مهرجان لندن السينمائي الشهر الماضي وتفتتح به الدورة العشرون لمهرجان “أيام قرطاج السينمائية” ـــ الى التيمة نفسها. تلـــــــك التي اقـــــــــــتفى فصولها في “غبار الحياة” (1995)، عندما قارب إرث فرنسا في بلدان الهند الصينية، أو عبر التطرق الى موضوع الرق في “السنغال الصغيرة” (2001).“السكان الأصليون” دفع بالرئيس جاك شيراك الى رفع مرتّبات الأفـــــــــارقة الذين حاربوا مع رفاقهم الفرنسيين ضد الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية.
يبدأ الفيلم عام 1943، على خلفية وقوع فرنسا في قبضة الجيش الألماني وتحديداً بالحملة التي أُطلقت في بلدان المغرب العربي، تحت شعار “أنقذوا فرنسا” تجنّد فيها حوالى 130 ألفاً من سكان المستعمرات.
يركز الفيلم على أربع شخصيات هم سعيد وأبو بكر ومسعود وياسر الذين يخوضون هذه التجربة مدفوعين برغبة حقيقية في إنقاذ فرنسا استجابة للشعار الذي رفعه الجنرال ديغول آنذاك: “إن الدفاع عن حرية فرنسا هو دفاع عن الحرية في العالم”.
لكن أحداث الفيلم ستكشف تباعاً أن هؤلاء الأفارقة كانوا مجرد دروع بشرية في عرف المؤسسة العسكرية. وسيتبدّى لاحقاً كيف تنكرت فرنسا لتضحياتهم، فيدخلنا بوشارب في نهاية الفيلم الى غرف هؤلاء الريفيين المنسيين، بعدما قررت الحكومة الفرنسية وقف صرف مستحقات التقاعد لهم عام 1959.
جاء «السكان الأصليون» نوعاً من تصفية الحساب مع الذاكرة الفرنسية وشكّل وثيقة نقدية لعقلية المؤسسة السياسية والعسكرية الفرنسية، بكل إرثها العنصري الذي دفع ثمنه عشرات الآلاف من شباب المستعمرات.
حصد أبطال الفيلم الأربعة (جمال دبوز وسامي بوعجيلة وسامي نصري ورشيد زم) جائزة أفضل أداء في مهرجان “كان” الأخير، وصفقت لهم الصالة طويلاً.
أبرز “السكان الأصليون” الذي تميّز بتقنية عالية وببساطة في السرد، مخرجاً متمكناً أجاد تسخير أداء ممثليه الأربعة بقدر ما عرف تطويع موسيقى الشاب خالد في عمله. ولا شك في أنه بذل جهداً كبيراً في تقصي الشهادات الحية ممن بقوا على قيد الحياة. هكذا، نجح بو شارب في الإضاءة على ما تم تجاهله لعقود طويلة، فاضحاً ممارسات عنصرية أسقطتها فرنسا من ذاكرتها.